أعلم أنه في الحديث المتواتر، يشترط أن يحفظ الرواة للحديث أو يقرؤوه من مكتوب لديهم لمن أدنى منهم درجة. ماذا لو كان الراوي يعاني من بعض المشاكل العقلية أو النفسية؟
الحمد لله.
الحديث المتواتر هو: ما رواه جمع كثير بحيث لا يمكن تواطؤهم وتوافقهم على الكذب عن
مثلهم إلى منتهى السند، وكان مستند خبرهم الحس أي احد الحواس الخمسة. وبالتالي فلا
مجال فيه لوهم الراوي أو غلطه لأنه لو فرض أن الراوي كان سيء الحفظ أو ضعيفا ففي
كثرة الرواة وتواطؤهم على الخبر ما يقوي الحديث.
أما راوي الحديث نفسه: فإن كان يعاني من مشاكل عقلية فإن المحدثين قد وضعوا شروطا
شديدة لقبول رواية الراوي بحيث يتأكدون من سلامته من أسباب الضعف والخطأ،
فاشترطوا أن يكون مسلما عاقلا ضابطا لحفظه ضبطا متقنا إن حدث من حفظه، ضابطا لكتابه
إن حدث من كتابه، وأن يكون متحلياً بالتقوى مجافيا للمعاصي، فلا يشتهر بفسق أو
يجاهر بمعصية.
وأيضا اشترطوا أن يكون سالما من مخالفة المروءة بحيث يكون سوي التصرفات ليس شاذا في
أفعاله أو مثيرا للريبة في تصرفاته؛كمن يلبس لباسا غير مناسب في المحافل العامة،
وما شابه ذلك.
ثم بعد تحققهم من سلامة الراوي فإنهم يعرضون مروياته على مرويات غيره من العلماء
المتقنين ليتأكدوا من سلامة حديثه من الشذوذ والعلة وهو الخطأ والمخالفة لمن هو
أوثق منه إما عددا أو حفظا وإتقانا، وقد يكون ذلك من الخفاء بدرجة يصعب على كثير من
طلبة العلم إدراكها لكنهم يجهدون أنفسهم وعقولهم في البحث والتنقيب حتى يتأكد لهم
سلامة الراوي وسلامة مرويه ولذا نجد العلماء نصوا على أن شروط الحديث الصحيح خمسة :
1- عدالة جميع رواته وتشمل السلامة من أسباب الفسق وخوارم المروءة .
2- تمام ضبط رواته لما يروون .
3- اتصال السند من أوله إلى منتهاه ، بحيث يكون كل
راوٍ قد سمع الحديث ممن فوقه .
4- سلامة الحديث من الشذوذ في سنده ومتنه ، ومعنى
الشذوذ : أن يخالف الراوي من هو أرجح منه .
5- سلامة الحديث من العلة في سنده ومتنه ، والعلة هي:
سبب خفي يقدح في صحة الحديث، يعرفها الأئمة المتقنون .
وبهذا يتبين أنه لا مجال لأن يقبل حديث راو يعاني من
أي اختلال عقلي يؤثر على ضبطه وروايته ، وكذلك لو وجد عنده مشاكل نفسية تسبب له عدم
أهليته للتحديث والتعليم فإنه لا يعتمد في الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
، بل إن الراوي لا تقبل روايته حتى يشهد له علماء هذا الفن بتمكنه وأهليته وأن
حديثه داخل في حيز القبول .. والله تعالى أعلم.
ينظر تدريب الراوي للسيوطي (1/ 68-75، 155) والنكت على ابن الصلاح لابن حجر (1 /
480 )