إذا دعا الرجل زوجته ، وكانت تصلي نافلة ، فهل تقطعها ، أم بحسب الضرورة ؟
الحمد لله.
حكم قطع الزوجة صلاتها إذا دعاها زوجها فيه تفصيل ، وذلك بحسب الغرض الذي دعيت الزوجة لأجله :
أولا : إذا دعاها زوجها مستغيثا لإنقاذه أو مساعدته لدرء ضرر أو رفع خطر :
وجب عليها حينئذ إجابته ، سواء أكانت في صلاة فرض أم في صلاة نافلة ، وهكذا يجب على كل من سمع مستغيثا واقعا في هلكة أن يقطع صلاته ويهمَّ لمساعدته ، فإن مفسدة قطع الصلاة أهون من فوات النفس ووقوع الهلكة .
قال العز بن عبد السلام رحمه الله :
" إنقاذ الغرقى المعصومين عند الله أفضل من أداء الصلاة ، والجمع بين المصلحتين ممكن بأن ينقذ الغريق ثم يقضي الصلاة ، ومعلوم أن ما فاته من مصلحة أداء الصلاة لا يقارب إنقاذ نفس مسلمة من الهلاك .
وكذلك لو رأى الصائم في رمضان غريقا لا يتمكن من إنقاذه إلا بالفطر ، أو رأى مصولا عليه – أي مظلوما - لا يمكن تخليصه إلا بالتقوي بالفطر ، فإنه يفطر وينقذه ، وهذا أيضا من باب الجمع بين المصالح ؛ لأن في النفوس حقا لله عز وجل وحقا لصاحب النفس ، فقدم ذلك على فوات أداء الصوم دون أصله " انتهى من" قواعد الأحكام " (1/66)
بل نص العلماء على جواز قطع صلاة الفريضة لضرورة حفظ المال ، وليس فقط حفظ النفس ، وقد عقد الإمام البخاري رحمه الله في " صحيحه "، (كتاب العمل في الصلاة، باب رقم:11) بابا بعنوان : " إذا انفلتت الدابة في الصلاة ، وقال قتادة : إن أخذ ثوبه يتبع السارق ويدع الصلاة " انتهى.
وقد ذكر العلامة ابن رجب رحمه الله في شرحه لهذا الباب نقولات مفيدة في موضوع سؤالنا هنا ، فقال رحمه الله :
" روى عبد الرزاق في كتابه ، عن معمر ، عن الحسن وقتادة ، في رجل كان يصلي ، فأشفق أن تذهب دابته أو أغار عليها السبع ؟ قالا : ينصرف .
وعن معمر ، عن قتادة ، قالَ : سألته ، قلت : الرجل يصلي فيرى صبياً على بئر ، يتخوف أن يسقط فيها ، أفينصرف ؟ قال : نعم . قلت : فيرى سارقاً يريد أن يأخذ نعليه ؟ قال : ينصرف .
ومذهب سفيان : إذا عرض الشيء المتفاقم والرجل في الصلاة ينصرف إليه . رواه عنه المعافى .
وكذلك إن خشي على ماشيته السيل ، أو على دابته .
ومذهب مالك ؛ من انفلتت دابته وهو يصلي مشى فيما قرب ، إن كانت بين يديه ، أو عن يمينه أو عن يساره ، وإن بعدت طلبها وقطع الصَّلاة .
ومذهب أصحابنا : لو رأى غريقاً ، أو حريقاً ، أو صبيين يقتتلان ، ونحو ذلك ، وهو يقدر على إزالته قطع الصلاة وأزاله .
وقال أحمد – أيضا - : إذا رأى صبياً يقع في بئر ، يقطع صلاته ويأخذه .
وقد خرج البخاري حديث أبي برزة في " الأدب " من " صحيحه " هذا ، من طريق حماد بن زيد ، عن الأزرق ، به ، وفي حديثه : فانطلقت الفرس ، فخلى صلاته واتبعها ، حتى أدركها ، فأخذها ، ثم جاء فقضى صلاته " انتهى.
وجاء في " الدر المختار " (2/51) من كتب الحنفية :
" يجب قطع الصلاة لنحو إنجاء غريق أو حريق " انتهى.
قال ابن عابدين رحمه الله :
" الحاصل أن المصلي متى سمع أحدا يستغيث - وإن لم يقصده بالنداء ، أو كان أجنبيا وإن لم يعلم ما حل به ، أو علم وكان له قدرة على إغاثته وتخليصه - وجب عليه إغاثته وقطع الصلاة ، فرضا كانت أو غيره " انتهى من" رد المحتار " (2/51)
وانظر في موقعنا جواب السؤال رقم : (3878) ، (134285)
ثانيا : أما إذا دعاها زوجها - وهي تصلي – لغرض غير طارئ ، أو لحاجة محتملة التأخير ونحو ذلك ، فنقول :
1- إذا كانت في صلاة فرض : حرم عليها قطعها ؛ لأن الواجب على المسلم إتمام فريضته وعدم الالتفات إلى ما سواها ، فمفسدة قطع الفريضة أعظم من عدم إجابة الزوجة زوجها .
2- أما إذا كانت في صلاة نافلة : فقد اختلف الفقهاء في حكم قطعها لغرض إجابة الزوج ، وذلك على قولين :
القول الأول : مذهب الشافعية والحنابلة الجواز ، فإن قطع صلاة النافلة عندهم – ولو لغير سبب – أمر جائز مع الكراهة ، فإذا وجدت الحاجة لذلك انتفت الكراهة .
قال ابن حجر الهيتمي رحمه الله :
" ومن تلبَّس بصوم تطوع أو صلاته أو غيرهما من التطوعات إلا النسك : فله قطعهما ؛ للخبر الصحيح : ( الصَّائِمُ الْمُتَطَوِّعُ أَمِيرُ نَفْسِهِ ، إِنْ شَاءَ صَامَ ، وَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَ ) – رواه أحمد في " المسند " (44/463) ورواه الترمذي في "السنن" (732) وصححه الألباني ، لكن فيه : ( أمين نفسه ) بدلا من ( أمير نفسه )-، وقيس به الصلاة وغيرها ، فقوله تعالى : ( وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ ) محمد/33، محله في الفرض ، ثم إن قطع لغير عذر كره ، وإلا كأن شق على الضيف أو المضيف صومه : لم يكره ، بل يسن ويثاب على ما مضى ، ككل قطع لفرض أو نفل بعذر " انتهى من" تحفة المحتاج " (3/459-460)
وقال البهوتي الحنبلي رحمه الله :
" يجوز إخراج الزوجة من النفل لحق الزوج ؛ لأنه واجب ، فيقدم على النفل ، بخلاف الفرض " انتهى من" كشاف القناع " (1/379-380)
القول الثاني : قياس مذهب الحنفية والمالكية عدم الجواز ؛ لأن قطع النافلة عندهم لغير سبب محرم وممنوع ، وذلك لقول الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ ) محمد/33، ولم يستثنوا سوى الوالدين إذا دعا أحدهما ابنه في الصلاة ، جاز للولد قطع النافلة ، ولكن اشترط كل من الحنفية والمالكية شروطا لذلك لم نشأ الإطالة بذكرها ، حينها فقط يجوز عندهم إجابة الوالد ، أما الزوجة فلم نقف على من ينص على استثنائها من الحنفية والمالكية كالوالدين .
وقد سبق في موقعنا اختيار القول الأول ، وهو جواز قطع صلاة النافلة للحاجة ، ومن الحاجة نداء الوالدين ، وطلب الزوج زوجته ، ونحو ذلك ، انظر جواب رقم : (26230) ، (151653)
ويقوى جانب الرخصة للمرأة في قطع نفلها حين يكون الزوج من الصنف الذين لا يعرفون المعذرة ، ولا يرحمون زوجاتهم ، ويتسببون لهن بالمشكلات ، فحينئذ نقول للزوجة : اقطعي صلاة النافلة ولا حرج عليك .
وينظر : "الشرح الممتع" ، للشيخ ابن عثمين رحمه الله (6/487) .
والله أعلم.