الاستخارة لا تتعارض مع تحكيم العقل والنظر في الأسباب للترجيح بين الخيارين
ما الأمور التي تصح فيها الاستخارة ، وما هي المسائل التي يستحسن فيها استخدام العقل وليس الاستخارة ؟
الجواب
الحمد لله.
لا يصح تقسيم الأمور – من حيث جواز الاستخارة بها – إلى قسمين : أمور يستعمل فيها
العقل ولا يستخار لها ، وأمور لا يستعمل فيها العقل ، بل تصلى لأجلها صلاة
الاستخارة .
بل المشروع في جميع الأمور - صغيرها وكبيرها – استعمال العقل والحكمة ودراسة
الخيارات والأسباب المتاحة ، فإن تردد في أمر ما ، أو لم يتبين له وجه الصواب في
ذلك ، بدليل من الشرع ، إن كان أمرا شرعيا ، أو دليل آخر من العقل ، أو التجربة ،
أو الحس ، أو غير ذلك بحسب الأمر المراد وطبيعته ، إن تردد ولم يتبين له وجه الصواب
بدليله المناسب له : فوض أمره إلى الله ، وركن إلى اختياره له ، وتبرأ من حوله
وقوته وتقديره ، وصلى صلاة الاستخارة التي هي دعاء الله وسؤاله التوفيق والنجاح بعد
تحكيم العقل في الخيارات المتاحة .
فليست الاستخارة لإلغاء العقل ، أو النظر في الأمور المادية المحيطة بالإنسان ،
وإنما هي مكملة لذلك ، وليس في الشريعة إلغاء للأسباب ، وليس فيها أيضا توكل عليها
، وكون إليها ، بل موازنة بين الأمرين ، بحيث تنسجم الشخصية الإسلامية بين الواقعية
والروحانية .
لذلك يمكننا أن نقول : إن الاستخارة مشروعة في جميع الأمور – الداخلة في دائرة
الإباحة -، إلى جانب تحكيم العقل ودراسة الأسباب .
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قَالَ :
( كَانَ النبي صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُنَا الاِسْتِخَارَةَ في الأُمُورِ
كُلِّهَا كَالسُّورَةِ مِنَ الْقُرْآنِ )
رواه البخاري (6382)
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" يتناول العمومُ العظيمَ من الأمور ، والحقيرَ ، فرب حقير يترتب عليه الأمر العظيم
" انتهى من " فتح الباري " (11/184)
وقال العيني رحمه الله :
" قوله : ( في الأمور كلها ) : دليل على العموم ، وأن المرء لا يحتقر أمراً لصغره
وعدم الاهتمام به فيترك الاستخارة فيه ، فرب أمر يستخف بأمره فيكون في الإقدام عليه
ضرر عظيم أو في تركه ، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ليسأل أحدكم ربه حتى
في شسع نعله ) " انتهى من " عمدة القاري " (7/223)
والله أعلم .