أصيب بالوسواس بعد توبته من المعاصي ويخشى من الهلاك بسببه
بعد أن كنت في ضلال ، لا أصلي ، فقد تركت الصلاة منذ زمن ، ولا أفكر بآخرتي ، وأفعل المعاصي ، قررت أن أتوب لله وأرجع أصلي ، وأكثر من عمل الخير لأكون من الناجين ... ولكن من يوم أن تبت ، بدأت الدنيا تغلق كل أبوابها في وجهي ، فقد بدأت عندي الوسوسة في الصلاة ، فقد كنت أقطع الصلاة مرارا وتكرارا ، وأعيدها ، وبعد أن تخلصت من هذا النوع من الوسوسة بقوة الإرادة جاءني وسواس الوضوء ، فقد كنت أعيد الوضوء مرات عديدة ، ومن ثم جاءتني الوسوسة في الطهارة ، فقد أصبحت أشك في طهارة كل شيء ، وكنت أبدل ملابسي عدة مرات ، وتراني أمسك منديلا وأمسح أيدي الأبواب (كالمجنون) ، وبحمد الله كل هذه الوساوس كدت أن أتخلص منها ، إلا أنه بقي عندي وسواس الطهارة ، وأنا الآن أتخلص منه ، وقريبا سيتم القضاء عليه نهائيا ، إن شاء الله . والآن من جديد سمعت أن من سب الله أو الدين أو الرسول يعد كافرا ، وبما أن المجتمع الذي أعيش فيه ، غير ملتزم نوعا ما فقد أكون قد رددت هذه الكلمة عدة مرات بقصد أو بدون قصد ، فأنا أتذكر أني سببت الله عن غير قصد في إحدى المرات ، وأتذكر أيضا أني سببت عن قصد وأنا على الشات بالنت ، فقد كتبت الكلمة ، وأنا الآن حتى هذه اللحظة ، أتخيل ، وتأتي وساوس تقول لي بأن لا حاجة لأن أصلي وأتعب نفسي في فعل الخير ، فانا غير مسلم أصلا ، ومن هذا النوع ،،، بصراحة أنا لم أعد أطيق حياتي ويئست ،،، ماذا افعل ؟ ساعدوني ، أرشدوني ؟
الجواب
الحمد لله.
من الجيد أن تعلم ـ أيها السائل الكريم ـ أن مشكلتك الحقيقية هي في ذلك الداء
النفسي الذي ألم بك ، داء الوسواس القهري ، وهو داء إذا استحكم من العبد ، عياذا
بالله ، أوشك أن يفسد عليه دينه ودنياه ، ولذلك كان من توفيق الله لك أن انتبهت إلى
خطره عليك ، وشرعت في علاجه .
وإن من أعظم أسباب علاج هذا الداء ألا تلتف إليه ، وتمضي في عبادتك على وجه الصحة ،
دون اعتبار إلى ما يأتيك فيها من وساوس .
وقد سبق التنبيه على الوسواس وطرق علاجه في جواب السؤال رقم (102851)،
وأجوبة أخرى عديدة .
ولتعلم أن ما تتوهمه من أنه لا فائدة من عبادتك ، وصلاتك ، ونحو ذلك : لتعلم أن ذلك
هو نهاية الطريق الذي يريد عدو الله أن يصل بك إليه ، فيفتح عليك باب الوساوس
والتشكك في كل شيء ، ومقصوده ليس إقامة عبادتك ، ولا تصحيحها ، إنما مقصوده أن
يصعبها عليك حتى تتركها ، أو يوهمك أنه لا فائدة منها بالكلية ، ولا حول ولا قوة
إلا بالله العلي العظيم ، ولذلك كان تاريخ صراع عدو الله معك : ( من يوم أن تبت ) ،
كما ذكرت في سؤالك !! فماذا يفعل بك اللعين ، أو يرجو منك قبل توبتك ، وقد تركت
صلاتك ؟!! فإن " البيت الخالي ليس فيه شيء يسرق ؛ ولهذا قيل لابن عباس رضي الله
عنهما : إن اليهود تزعم أنها لا توسوس في صلاتها ؟! فقال : وما يصنع الشيطان بالقلب
الخراب ؟! " . انتهى من "الوابل الصيب" ، لابن القيم (30) .
والواجب عليك ، كما سبق ، ألا تلتفت إلى شيء من هذه الوساوس ، في إيمانك ، وعباداتك
.
والأمر العجيب أن وسوسة عدو الله تتمكن من العبد حتى يغفل بها عن الأمور البديهية ،
والبديهية جدا ؛ فإذا افترضنا جدلا أنك قد وقعت في شيء من أعمال الشرك ، أو الأقوال
المخرجة من دين الإسلام : كسب الله ، أو سب رسوله ، أو ما أشبه ذلك والعياذ بالله ؛
نفترض جدلا أنك قد وقعت في شيء من ذلك على وجه القطع واليقين ؛ فليس هذا هو نهاية
الطريق ولا خاتمة المطاف ، حتى وإن كان كفرا بالله جل جلاله ؛ فالكفر ليس وصفا
ملازما لصاحبه على وجه الدوام ، بل هو وصف وقع عليه بسبب أقواله وأعماله ؛ فمن شاء
النجاة منه ، فليتب مما فات ، وليترك الكفر وأسبابه فيما هو آت !!
لقد كان الحل الأسهل لك ، والأسرع : أن تتوب إلى الله مما وقعت فيه من الأقوال
والأعمال التي تغضبه ، سواء كانت كفرا ، أو ما دون ذلك ؛ فهذا هو التصرف المنطقي
الوحيد ، أما أن توهم نفسك أنه لا فائدة في أعمالك وصلواتك ، فأي شيء يريد منك عدو
الله أكثر من ذلك ، هذا هو غاية مراده منك .
هذا ، كما قلنا ، على افتراض أنك قد وقعت في هذه الأعمال والأقوال ، على وجه القطع
واليقين ، وليس مجرد وساوس . ثم إنه حكمها لا يثبت على صاحبها أيضا إذا كان قد وقع
فيها على وجه القطع واليقين ، لكنه حين وقوعه فيها كان مغلوبا على عقله ، بنوم ، أو
وسواس قهري ، أو إكراه ملجئ ، أو نحو ذلك . فحتى يثبت حكمها : لا بد أن يكون صاحبها
قد وقع فيها وهو يعقل ما يقول ، ويختاره .
فدع عنك ما بقي عليك من وساوسك ، يا عبد الله ، جملة واحدة ، وأقبل على الله تعالى
بقلبك وعملك ، وتب إليه من ذنبك كله ، دِقِّه وجُلِّه .
والله يتوب علينا وعليك ، ويهدينا وإياك إلى سواء السبيل .
والله أعلم .