يسأل عن سبب تغير الفتوى في حكم التصوير
في السابق كانت الفتوى العامة بخصوص التصوير عدم الجواز، والآن تغيرت الفتوى، فأصبح بعض العلماء يقول بالجواز، فما السبب في هذا الاختلاف؟ أرجو توضيح هذه المسألة بالدليل من الكتاب والسنة بعيداً عن أراء العلماء واختلافاتهم .
الجواب
الحمد لله.
الواقع أن ما ذكرته من تغير الفتوى بشأن التصوير ، ربما لا يكون دقيقا ، فنحن نحتاج
إلى أن نفرق بين أمرين في موضوع التصوير :
الأمر الأول : حكم التصوير ، ونعني به هنا تصوير ذوات الأرواح ، فهذا هو محل البحث
والنظر ، ونعني به أيضا الصور غير المجسمة.
وقد دلت السنة الصحيحة على تحريم هذا النوع من الصور ، سواء كان في لوحة ، أو ورقة
، أو ثوب ، أو حائط ، لما فيه من مضاهاة خلق الله .
قال النووي رحمه الله :
" قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ تَصْوِيرُ صُورَةِ
الْحَيَوَانِ حَرَامٌ شَدِيدُ التَّحْرِيمِ وَهُوَ مِنَ الْكَبَائِرِ لِأَنَّهُ
مُتَوَعَّدٌ عَلَيْهِ بِهَذَا الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ الْمَذْكُورِ فِي
الْأَحَادِيثِ ، وَسَوَاءٌ صَنَعَهُ بِمَا يُمْتَهَنُ أَوْ بِغَيْرِهِ :
فَصَنْعَتُهُ حَرَامٌ بِكُلِّ حَالٍ ، لِأَنَّ فِيهِ مُضَاهَاةً لِخَلْقِ اللَّهِ
تَعَالَى ، وَسَوَاءٌ مَا كَانَ فى ثوب أو بساط أودرهم أَوْ دِينَارٍ أَوْ فَلْسٍ
أَوْ إِنَاءٍ أَوْ حَائِطٍ أَوْ غَيْرِهَا .
وَأَمَّا تَصْوِيرُ صُورَةِ الشَّجَرِ وَرِحَالِ الْإِبِلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا
لَيْسَ فِيهِ صُورَةُ حَيَوَانٍ فَلَيْسَ بِحِرَامٍ ، هَذَا حُكْمُ نَفْسِ
التَّصْوِيرِ ...
ولا فرق في هذا كله بين ماله ظل ومالا ظل لَهُ .
هَذَا تَلْخِيصُ مَذْهَبِنَا فِي الْمَسْأَلَةِ ، وَبِمَعْنَاهُ قَالَ جَمَاهِيرِ
الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ ، وَهُوَ
مَذْهَبُ الثَّوْرِيِّ وَمَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِمْ .
وَقَالَ بَعْضُ السَّلَفِ إِنَّمَا يَنْهَى عَمَّا كَانَ له ظل ، ولا بأس
بِالصُّوَرِ الَّتِي لَيْسَ لَهَا ظِلٌّ . وَهَذَا مَذْهَبٌ بَاطِلٌ فَإِنَّ
السِّتْرَ الَّذِي أَنْكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الصُّورَةَ فِيهِ لَا يَشُكُّ أَحَدٌ أَنَّهُ مَذْمُومٌ ، وَلَيْسَ لِصُورَتِهِ
ظِلٌّ مَعَ بَاقِي الْأَحَادِيثِ الْمُطْلَقَةِ فِي كُلِّ صُورَةٍ . وَقَالَ
الزُّهْرِيُّ النَّهْيُ فِي الصُّورَةِ عَلَى الْعُمُومِ ..." انتهى من "شرح مسلم"
للنووي (14/81).
وقد سبق ذكر الأدلة على تحريم التصوير ، وبعض نصوص أهل العلم على ذلك في أجوبة
كثيرة ، فراجع جواب السؤال رقم (7222).
وهذا أمر لا نعلم أن الفتوى تغيرت بشأنه ، أو أن من كان يرى أن التصوير حرام ، عاد
وقال بإباحته ، أو أن غالب رأي المفتين كان على التحريم ، ثم أصبح الآن على الإباحة
، وإذا قدر أن شيئا من ذلك التغيير قد حصل : فهو قليل جدا ، أو شاذ نادر ، لا يقاس
عليه .
الأمر الثاني : هل ينطبق حكم التصوير على أنواع معينة من الصور ؛ كالصورة
الفوتوغرافية ، مثلا ؟ وإذا كان يشملها : فهل هذا التحريم خاص بالصورة الكاملة ، أو
يشمل الصورة النصفية أيضا ، ونحو ذلك من المسائل التي محل نظر الفقيه والمفتي فيها
هو النظر في انطباق الحكم السابق ، على النازلة المعينة.
وهذا هو الذي اختلف أهل العلم فيه اختلافا معتبرا مشهورا ؛ فذهب بعضهم إلى أن
التصوير الفوتوغرافي يدخل في التصوير المحرم ، لأنه تصوير ، ولأن ما ينتجه هو
(صورة) ، فتدخل في حكم الصور التي ورد فيها النص .
وذهب بعض أهل العلم إلى أن علة تحريم التصوير : هي مضاهاة خلق الله ، وهذا غير
موجود في التصوير الفوتوغرافي ؛ إذ هو مجرد حبس ظل الشخص ، فأبيح ، كما لو كان ينظر
في مرآة أو نحوها .
وليس هنا محل تحرير ذلك ، إنما المراد بيان أن هناك فرقا بين الاختلاف في الحكم ،
والاختلاف في تحقيق مناط الحكم في الواقعة المعينة .
وقد سبق بيان حكم التصوير الفوتوغرافي في أجوبة عديدة في الموقع ، فيمكنك مراجعة
الأسئلة التي تحمل رقم (13633) ورقم
(10668) ورقم (7918)
.
وحينئذ ؛ فليس من الغريب أن يتغير اجتهاد العالم أو المفتي في مثل هذه النوازل ؛
فقد يبني اجتهاده في وقت ما على أن هذا التصوير كان يتطلب تصرفا بشريا في الصورة
بوجه ما ، وهذا هو نفس عمل المصور ، فلأجل ذلك أفتى بتحريمه ، ثم تغير الأمر وتطورت
الأجهزة ، ولم يعد هناك حاجة إلى التدخل البشري .
بل إن الأمر أظهر من هذا المثال التقريبي ؛ فتغير اجتهاد العالم من وقت إلى وقت آخر
، وفي نفس المسألة ليس أمرا جديدا ، بل هو معروف ومقرر . ومذهبا الشافعي : الجديد
والقديم شاهد على ذلك ، والروايات عن الإمام أحمد وغيره في المسألة الواحدة معروفة
.
والأمثلة على ذلك معروفة مشهورة ، وليس العبرة بالقال والقيل ، وإنما العبرة في كل
أمر بما وافقه الدليل .
نسأل الله أن يوفقنا جميعا لما يحبه ويرضاه من القول والعمل .
والله أعلم .