العمل في شركة يقوم العملاء فيها برشوة الموظفين
يعمل أحد أقربائي في شركة يقوم العملاء برشوة الموظفين في هذه الشركة لكي يقوموا ببيع منتجاتها بأسعار رخيصة. فهل المال الذي يتقاضاه من هذه الشركة حلال أم لا ؟
الجواب
الحمد لله.
أولا :
أجمع أهل العلم على تحريم الرشوة فلا يجوز التعامل بالرشوة أخذا أو إعطاء ، وهي من
كبائر الذنوب ؛ لما رواه أحمد (6791) وأبو داود (3580) عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ : لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي . صححه الألباني في "إرواء الغليل" (2621)
و"الراشي" هو معطي الرشوة ، و"المرتشي" هو آخذها .
ثانياً : الواجب على قريبك نصح هؤلاء الموظفين ، وتذكيرهم بتقوى الله عز وجل ،
وبيان تحريم الرشوة ، وخطر أكل المال الحرام وعاقبته السيئة ، وأن مثل هذه الأموال
المحرمة سبب لعدم قبول الدعاء والأعمال الصالحة قال النبي صلى الله عليه وسلم :
(أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إِلا طَيِّبًا ، وَإِنَّ
اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ ، فَقَالَ : (يَا
أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا
تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) ، وَقَالَ : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ
طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ) ، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ
أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ ،
وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ ، وَغُذِيَ
بِالْحَرَامِ ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ) رواه مسلم (1015).
قال ابن رجب رحمه الله : " وفي هذا الحديث إشارة إلى أنه لا يقبل العمل ولا يزكو
إلا بأكل الحلال ، وأن أكل الحرام يفسد العمل ويمنع قبوله ؛ فإنه قال بعد تقريره :
( إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال
تعالى : ( يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا
) وقال : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا
رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ) والمراد
بهذا : أن الرسل وأممهم مأمورون بالأكل من الطيبات التي هي الحلال ، وبالعمل الصالح
، فما كان الأكل حلالا فالعمل الصالح مقبول ، فإذا كان الأكل غير حلال فكيف يكون
العمل مقبولا . وما ذكره بعد ذلك من الدعاء وأنه كيف يُتقبل مع الحرام فهو مثال
لاستبعاد قبول الأعمال مع التغذية بالحرام " انتهى من "جامع العلوم والحكم" (100) .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به ) رواه الطبراني
وأبو نعيم عن أبي بكر ، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (4519) .
ورواه الترمذي (614) من حديث كعب بن عجرة بلفظ : ( إنّه لا يربو لحم نبت من سحت إلا
كانت النار أولى به ) .
فإن استجابوا للنصيحة فبها ونعمت ، وإن لم يستجيبوا ، فالواجب عليه تبليغ صاحب
الشركة ، أو من له السلطة فيها ، عن هذه المخالفات ، فإن ذلك واجب النصيحة بين
المسلمين بعضهم البعض ، ومن التعاون على البر والتقوى .
ثالثا :
إن كان عمل قريبك لا تعلق له بهذه المعاملات المحرمة من جهة كونه يؤدي الواجب عليه
، ويبيع بالسعر الذي تحدده له الشركة دون غش لها ، أو محاباة لعملائها على حسابها ،
مع ما تقدم من المناصحة لهم ، فلا مانع من عمله في هذه الشركة ، ولا يضره معصية
غيره بعد القيام بواجب النصيحة .
وأما إن كان يعلم أن عمله ذلك سوف يجره إلى الوقوع في الرشوة ، أو المساعدة عليها ،
أو الرضى بها ، وترك الإنكار على من يعملها وهو يقدر عليه : فلا يجوز له البقاء في
هذه الشركة ، حينئذ ؛ بل إما أن يترك هذا المنكر ، ويسعى في تغييره على قدر طاقته ،
أو يترك هذا المكان ، ويعمل في مكان آخر .
والله أعلم.