أقسم على عدم فعل شيء في حياته واشترط على نفسه صيام ثلاثين يوماً متتابعة إن فعله ، وإذا لم يف بذلك يصوم ستين يوماً متتابعة ، وحنث في يمينه
لقد أقسمت بالله أني لن أفعل كذا وكذا حتى الموت ، وهذان الشيئان اللذين حلفت علي عدم فعلهما محرمان في الإسلام ، وقد أضفت شرطا لهذا اليمين بأني لو فعلت أي من الشيئين سأصوم ثلاثين يوما متتابعين مباشرة بعد الحنث في اليمين ، ولو فعلت كلا الشيئين سأصوم ستين يوما متتابعين ، وقد وضعت هذين الشرطين ؛ كي لا أحنث في يميني ، ولكني لسوء الحظ أحنثت في يميني ولم أصوم أي يوم مما اشترطت .
أسئلتي هي:
هل هذه الشروط التي وضعتها جائزة في الإسلام ؟
إنني لم أوف بالشروط التي وضعتها في وقتها المحدد ، فماذا أفعل الآن؟
بعد الحنث في اليمين : فعلت هذا الذنب أربع أو خمس مرات ، فماذا أفعل؟
أشعر الآن أني لن أستطيع تنفيذ تلك الشروط وصيام هذه الأيام فما الحل ؟ وهل هناك بديل لهذه الشروط ؟
الجواب
الحمد لله.
أولا :
هذا الشرط الذي أضفته إلى يمينك هو من " نذر اللجاج" ، الذي يقصد به صاحبه أن يحث
نفسه على فعل شيء ، أو يمنعها منه ؛ فإذا وفى بما حلف عليه ، أو نذره فلا إشكال ،
وهذا هو الأصل الواجب عليه ، ما دام قد نذر طاعة ، أو حلف عليها ؛ فإن الطاعة إما
أن تكون واجبة ، فيحرم عليه تركها بأصل الشرع ، ويتأكد ذلك عليه بما ألزم به نفسه
من اليمين أو النذر ، وإما أن تكون مستحبة ، فيلزمه فعلها بيمينه أو نذره .
وهكذا الشأن في ترك المحرم ، أو المكروه .
فإن حنث في يمينه ، وفعل ما حلف على تركه ، أو ترك ما حلف على فعله : فإنه يخير بين
أن يكفر عن يمينه ، أو يوفي بالنذر الذي ألزم به نفسه .
وينظر جواب السؤال رقم (2587)
.
قال ابن قدامة رحمه الله :
" مَسْأَلَةٌ : أَخْرَجَ النَّذْرَ مَخْرَجَ الْيَمِين :
... إذَا أَخْرَجَ النَّذْرَ مَخْرَجَ الْيَمِينِ ، بِأَنْ يَمْنَعَ نَفْسَهُ أَوْ
غَيْرَهُ بِهِ شَيْئًا ، أَوْ يَحُثَّ بِهِ عَلَى شَيْءٍ، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: إنْ
كَلَّمْت زَيْدًا، فَلِلَّهِ عَلَيَّ الْحَجُّ ، أَوْ صَدَقَةُ مَالِي ، أَوْ
صَوْمُ سَنَةٍ ، فَهَذَا يَمِينٌ، حُكْمُهُ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْوَفَاءِ
بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ ، فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ ، وَبَيْنَ أَنْ يَحْنَثَ ،
فَيَتَخَيَّرَ بَيْنَ فِعْلِ الْمَنْذُورِ، وَبَيْنَ كَفَّارَةِ يَمِينٍ ،
وَيُسَمَّى نَذْرَ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ ، وَلَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الْوَفَاءُ
بِهِ ، وَإِنَّمَا يَلْزَمُ نَذْرُ التَّبَرُّرِ ، وَسَنَذْكُرُهُ فِي بَابِهِ.
وَهَذَا قَوْلُ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَعَائِشَةَ ،
وَحَفْصَةَ ، وَزَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ .
وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ ، وَطَاوُسٌ، وَعِكْرِمَةُ ، وَالْقَاسِمُ ، وَالْحَسَنُ ،
وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ ، وَالنَّخَعِيُّ ، وَقَتَادَةُ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ
شَرِيكٍ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَالْعَنْبَرِيُّ ، وَإِسْحَاقُ ، وَأَبُو عُبَيْدٍ ،
وَأَبُو ثَوْرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ...
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ، وَمَالِكٌ: يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِنَذْرِهِ ؛
لِأَنَّهُ نَذْرٌ فَيَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِهِ ، كَنَذْرِ التَّبَرُّرِ ، وَرُوِيَ
نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ الشَّعْبِيِّ.
وَلَنَا، مَا رَوَى عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: لَا نَذْرَ فِي غَضَبٍ،
وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ . رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ،
وَالْجُوزَجَانِيُّ، فِي " الْمُتَرْجَمِ ".
وَعَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -قَالَ:
مَنْ حَلَفَ بِالْمَشْيِ، أَوْ الْهَدْيِ، أَوْ جَعْلِ مَالِهِ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ، أَوْ فِي الْمَسَاكِينِ، أَوْ فِي رِتَاجِ الْكَعْبَةِ، فَكَفَّارَتُهُ
كَفَّارَةُ الْيَمِينِ ، وَلِأَنَّهُ قَوْلُ مَنْ سَمَّيْنَا مِنْ الصَّحَابَةِ،
وَلَا مُخَالِفَ لَهُمْ فِي عَصْرِهِمْ ، وَلِأَنَّهُ يَمِينٌ ، فَيَدْخُلُ فِي
عُمُومِ قَوْله تَعَالَى: وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ
فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ [المائدة: 89] ، وَدَلِيلُ أَنَّهُ
يَمِينٌ، أَنَّهُ يُسَمَّى بِذَلِكَ ، وَيُسَمَّى قَائِلُهُ حَالِفًا، وَفَارَقَ
نَذْرَ التَّبَرُّرِ؛ لِكَوْنِهِ قَصَدَ بِهِ التَّقَرُّبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى
وَالْبِرَّ، وَلَمْ يُخْرِجْهُ مَخْرَجَ الْيَمِينِ ، وَهَا هُنَا خَرَجَ مَخْرَجَ
الْيَمِينِ ، وَلَمْ يَقْصِدْ بِهِ قُرْبَةً وَلَا بِرًّا ، فَأَشْبَهَ الْيَمِينَ
مِنْ وَجْهٍ وَالنَّذْرَ مِنْ وَجْهٍ، فَخُيِّرَ بَيْنَ الْوَفَاءِ بِهِ وَبَيْنَ
الْكَفَّارَة ..." انتهى من "المغني" (9/505) ، وينظر : "كشاف القناع" (6/275) ،
"الشرح الممتع" (6/508) .
ثانيا :
إذا حنث الحالف أو الناذر في يمينه ، فقد انحلت تلك اليمين ، ولم يلزمه إلا كفارة
واحدة ، وما فعله بعد ذلك ، فلا كفارة عليه ؛ إلا أن يكون قد حلف أنه كلما فعل
الذنب ، لزمه كذا ..، فهنا يلزمه كفارة كلما حنث ، لكن إن حنث مرات ولم يكفِّر بعد
كل حنث كفاه كفارة واحدة .
على أن الذي ينبغي أن تعتني به قبل يمينك أو نذرك ، وأن يطول اهتمامك به : هو ذلك
الذنب الذي غلبك على نفسك ، وأضعف عزمك ، ووقعت أسيرا له ؛ فالواجب عليك أن تبادر
بالتوبة إلى الله عز وجل من ذلك ، والأخذ بالأسباب العملية لتجنب ذلك الذنب ، وأن
تغلق عن نفسك كل تلك الأبواب ، وأن تهاجر إلى ربك جل جلاله ، وتفر إليه ؛ تهاجر من
معصيته إلى طاعته ، ومن طاعة نفسك وهواك ، إلى طاعة ربك .
والله أعلم .