حكم من يبيع مواد أولية لمن يصنع منها منتجات يغش الناس بجودتها
ما حكم توريد المادة الخام إلى صانع يتمادى في الغش بصناعة منتج جودته أقل ، ويدَّعي أنه ذات جودة عالية ؟ هنا في بلدنا هذا النوع من الغش منتشر جدّاً ، والعديد من الصنَّاع يمارسون هذا الغش ، فهل يجوز لي بيع المادة الخام لهؤلاء الصنَّاع ؟ وإذا لم أبع لهم سيقوم أي شخص آخر - بسهولة - بالبيع وسوف أخسر أنا في مبيعاتي .
الجواب
الحمد لله.
أولاً:
لا شك أن ما يفعله ذلك البائع هو من الغش والكذب ، وهما من كبائر الذنوب ، وقد تبرأ
النبي صلى الله عليه وسلم من الغاشين فقال ( مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنَّا ) رواه
مسلم ( 102 ) ، والنصوص الدالة على تحريم الكذب أشهر من أن يُذكَّر بها ، ويكفيه أن
كذبه ذاك يهديه إلى النار ، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم ( إنّ الصِدقَ يَهدي إلى البّر وإنّ البرّ يهدي إلى
الجَنّةِ وإنّ الرجُلَ ليَصدُقُ حتّى يُكتَبَ عِندَ اللّه صِدّيقاً ، وإنّ الكَذِبَ
يهدي إلى الفُجورِ وإنّ الفُجورَ يَهدي إلى النّار وإنّ الرَجُلَ ليَكذِبُ حتى
يُكتَبَ عِندَ اللّهِ كَذَّاباً ) رواه البخاري ( 5743 ) ومسلم ( 2607 ) .
وما يحدث في الأسواق من الغش والكذب والخداع والحلف الكاذب هو من أسباب كون الأسواق
مبغوضة إلى الرب عز وجل ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله
عليه وسلم قَالَ ( أَحَبُّ الْبِلاَدِ إِلَى اللَّهِ مَسَاجِدُهَا وَأَبْغَضُ
الْبِلاَدِ إِلَى اللَّهِ أَسْوَاقُهَا ) رواه مسلم ( 671 ) .
قال النووي – رحمه الله - : " قوله ( وَأَبْغَضُ الْبِلاَدِ إِلَى اللَّهِ
أَسْوَاقُهَا ) لأنها محل الغش والخداع والربا والأيمان الكاذبة وإخلاف الوعد
والإعراض عن ذِكر الله وغير ذلك مما في معناه " انتهى من " شرح مسلم " ( 5 / 171 )
.
ثانياً:
لا بأس في البيع لمثل هذا الصانع ، ما دمت أنت تبيعها عليه على وجه شرعي صحيح ، وما
دامت هذه السلعة مباحة في نفسها ، وأما أنه يكذب بعد ذلك ، أو يغشه فيما يصنعه من
هذه المواد فهذه تبعتها عليه هو ، وليس عليك منها شيء ، إن شاء الله .
لكن ينبغي عليك أن تجتهد في أمرين :
الأول : نصح ذلك الصانع التاجر بتقوى الله ، وإيقافه على الجرم الذي يرتكبه ، وحكم
ما يربحه من ذلك الخداع وأنه سحت .
الثاني : تحذير الناس من السلع المغشوشة ، على وجه لا يضر بك ، خاصة إذا استنصحك
أحد ، أو علم أن لك تعاملا معه ، وبيان حال بضاعته إذا هو استمر على فعله ولم يرعوِ
عنه ، وهذا من النصح للمسلمين الذي أوجبه الله تعالى عليك ، والنصيحة من أعظم أخلاق
هذا الدين العظيم ، كما جاء في حديث تَمِيمٍ الدَّارِيِ أَنَّ النَّبِي صلى الله
عليه وسلم قَالَ : ( الدِّينُ النَّصِيحَةُ ) قُلْنَا : لِمَنْ ؟ قَالَ : ( لِلَّهِ
وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ ) رواه
مسلم ( 55 ) .
والله أعلم