نذر صيام سنتين متتابعتين إن شرب الدخان أو فعل العادة السرية
أنا إنسان مدمن على التدخين والعادة السرية ، وفي يوم نذرت إذا شربت دخانا أو فعلت العادة السرية : أن أصوم سنتين متتابعتين ، وبعد 5 أيام من النذر فعلت العادة السرية ، وشربت الدخان ، فهل أوفي بنذري ؟
الجواب
الحمد لله.
أولا :
يحرم شرب الدخان ، كما تحرم العادة السرية وهي الاستمناء ، وعلى من فعل ذلك أن يتوب
إلى الله تعالى ، بالإقلاع عن الذنب ، والندم على فعله ، والعزم على عدم العود إليه
مستقبلا ، وينظر : سؤال رقم (10922
)ورقم (9083 )ورقم (329)
ثانيا :
من نذر أنه إذا فعل كذا وكذا من المحرمات أن يصوم سنتين متتابعين ، يريد بذلك منع
نفسه من الحرام ، فهذا يسمى نذر اللجاج والغضب ، وصاحبه مخير بين الوفاء بالنذر ،
وبين أن يكفر كفارة يمين .
قال ابن قدامة في "المغني" (9/ 399) :" إذا أخرج النذر مخرج اليمين , بأن يمنع نفسه
أو غيره به شيئا , أو يحث به على شيء , مثل أن يقول : إن كلمت زيدا , فلله علي الحج
, أو صدقة مالي , أو صوم سنة . فهذا يمين , حكمه أنه مخير بين الوفاء بما حلف عليه
, فلا يلزمه شيء , وبين أن يحنث , فيتخير بين فعل المنذور , وبين كفارة يمين ,
ويسمى نذر اللجاج والغضب , ولا يتعين عليه الوفاء به , وإنما يلزم نذر التبرر ,
وسنذكره في بابه . وهذا قول عمر , وابن عباس , وابن عمر , وعائشة , وحفصة , وزينب
بنت أبي سلمة . وبه قال عطاء , وطاوس , وعكرمة , والقاسم , والحسن , وجابر بن زيد ,
والنخعي , وقتادة , وعبد الله بن شريك , والشافعي , والعنبري , وإسحاق , وأبو عبيد
, وأبو ثور , وابن المنذر ...
وقال أبو حنيفة , ومالك : يلزمه الوفاء بنذره ; لأنه نذر فيلزمه الوفاء به , كنذر
التبرر . وروي نحو ذلك عن الشعبي .
ولنا , ما روى عمران بن حصين , قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا
نذر في غضب , وكفارته كفارة يمين . رواه سعيد بن منصور , والجوزجاني , في " المترجم
" . وعن عائشة , أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من حلف بالمشي , أو الهدي , أو
جعل ماله في سبيل الله , أو في المساكين , أو في رتاج الكعبة , فكفارته كفارة
اليمين . ولأنه قول من سمينا من الصحابة , ولا مخالف لهم في عصرهم , ولأنه يمين ,
فيدخل في عموم قوله تعالى : ( ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة
مساكين ) . ودليل أنه يمين , أنه يسمى بذلك , ويسمى قائله حالفا , وفارق نذر التبرر
; لكونه قصد به التقرب إلى الله تعالى والبر , ولم يخرجه مخرج اليمين , وها هنا خرج
مخرج اليمين , ولم يقصد به قربة ولا برا , فأشبه اليمين من وجه ، والنذر من وجه ,
فخير بين الوفاء به وبين الكفارة " انتهى .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :" أنا شاب كنت مسرفاً فهداني الله ، ولكني لم أزل
أرتكب ذنباً وحاولت أن أتوب منه مراراً فلم أستطع ، فقلت في نفسي : نذر عليّ إن عدت
إلى هذا الذنب أن أصوم شهرين متتابعين ، ولكن الشيطان زين لي ، وقلت إن النذر في
هذه الحالة يكون كاليمين وله كفارة ، وعدت إلى هذا الذنب ، فماذا أفعل جزاكم الله
خيراً ؟ هل يجوز لي أن أطعم ستين مسكيناً ؟ لأنه أخف عليّ من الصيام ؟ علماً بأن
الله قد منّ عليّ التوبة من هذا الذنب الآن ؟
فأجاب : أولاً : ينبغي أن يكون الإنسان ذا عزيمة صادقة قوية ، فيدع المحرم بدون قسم
وبدون نذر ، ويقوم بالواجب بدون قسم وبدون نذر ، قال الله – تبارك وتعالى – (
وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن أمرتهم ليخرجن قل لا تقسموا طاعة معروفة إن الله
خبير بما تعملون ) . ولكن قد يكون بعض الناس عاجزاً عن كبح جماح نفسه ، فيلجأ إلى
النذر أو إلى اليمين للقيام بالواجب ، أو في ترك المحرم ، وقد ذكر العلماء – رحمهم
الله – أن النذر الذي يقصد به الامتناع أو الإقدام ، يكون حكمه حكم اليمين، ولهذا
يجب على هذا الأخ السائل أن يكفر عن نذره كفارة يمين ، وذلك بأن يطعم عشرة مساكين ،كل
مسكين مد (أي حفنة) من الأرز أو من البر ، أو يكسو عشرة مساكين ، أو يعتق رقبة، وهو
على الخيار في هذه الثلاثة ، فإن لم يجد صام ثلاثة أيام متتابعة لقول الله – تبارك
تعالى – في سورة : المائدة ( لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما
عقّدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو
تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ) .
ويجوز في الإطعام أن يصنع طعاماً غداءً أو عشاءً ويدعو إليه عشرة مساكين " انتهى من
"فتاوى إسلامية" (3/ 501) .
والحاصل أنه يلزمك صيام سنتين ، أو تكفر كفارة يمين ؛ لعدم وفائك بالنذر ، كما
يلزمك التوبة إلى الله تعالى ، وحجز نفسك عن المعصية .
ونوصيك بتقوى الله تعالى ، والإكثار من الطاعة ، واتخاذ الرفقة الصالحة ، والبعد عن
رفقاء السوء وعما يهيج النفس ويثير الشهوة من النظر وغيره .
والله أعلم .