تزوجتُ رجلاً متزوجاً ، وبعد الزواج بي قال : إن السيارة الجديدة أعطاها لزوجته الأولى ، مع العلم بأنه أعطاها مبلغاً من المال والهدايا إرضاءا لها ، ولم يقل لي في فترة الخطوبة والملكة بأنه أعطاها ، فقط قال بعد الزواج ، مع العلم بأنه لا زال يدفع أقساط السيارة ، وهي تسوق السيارة ، وأنا قلت له : بأن هذا ظلم لي وغير عدل ؛ لأني أركب في سيارته القديمة وهي في السيارة الجديدة ؛ لأنه لا يجوز للزوج أن يهب إحدى زوجاته شيئاً يملكه ، وهو قال أعطيني رد - فتوى - بأنَّ تصرفه فيه عدم العدل وسوف يعدل بينا بإذن الله .
الحمد لله.
العدل الواجب على المعدِّد هو : أن يعدل في النفقة والمبيت والسكن والكسوة ، وتجدين
تفصيل هذا في جواب السؤال رقم (
10091 ) .
وأما اعتراضك على ما قدَّمه زوجكِ - من سيارة ومال – لزوجته الأولى وادعاؤك أنه
ظالم ما لم يعدل بينكِ وبينها : فليس في محله ، وهو خطأ من جهتين :
الجهة الأولى : أن الهدية ليس مما يجب فيه العدل أو التسوية بين الزوجات ، ومع أن
العدل في كل شيء ، حتى في الهدايا ونحوها ، من الأمور المستحسنة ، ومن مكارم
الأخلاق ، ومما يعينه على سياسة أمر زوجاته ، وتوقي آثار الغيرة بينهن ، إلا أنه ،
رغم ما سبق ، ليس أمراً واجباً على الزوج .
وقد استنبط ابنُ المنيِّر رحمه الله عدم وجوب العدل في الهدية ، من تفضيل النبي صلى
الله عليه وسلم بعض نسائه بوليمة العرس فقال : " يؤخذ من تفضيل بعض النساء على بعض
في الوليمة جواز تخصيص بعض دون بعض بالإتحاف والإلطاف والهدايا " .
انتهى من " فتح الباري " لابن حجر ( 9 / 296 ) .
وقال الإمام أحمد رحمه الله في الرجل له امرأتان : " له أن يفضِّل إحداهما على
الأخرى في النفقة والشهوات والكسي ، إذا كانت الأخرى في كفاية ، ويشتري لهذه أرفع
من ثوب هذه ، وتكون تلك في كفاية " .
وقد علَّق ابنُ قدامة رحمه الله على كلام الإمام أحمد فقال : " وهذا لأن التسوية في
هذا كله تشق ، فلو وجب لم يمكنه القيام به إلا بحرج ، فيسقط وجوبه كالتسوية في
الوطء " .
انتهى من " المغني " ( 8 / 144 ) .
وقال ابن رشد المالكي – رحمه الله - : " مذهب مالك وأصحابه : أنه إن قام لكلٍّ بما
يجب لها بقدر حالها : فلا حرج عليه أن يوسع على من شاء منهن بما شاء " .
انتهى من " بلغة السالك " ( 1 / 437 ) .
ومثله عند الحنفية في المفتى به عندهم ، كما في " حاشية ابن عابدين " ( 3 / 202 ) .
وانظري جواب السؤال رقم (
13268 ) .
الجهة الثانية : أن ما تمَّ
من إهداء زوجك لزوجته الأولى كان قبل الدخول بك ، ولا يجب على الزوج العدل حتى في
الأمور الواجبة عليه بين المعقود عليها والمدخول بها ، ولذا رأينا من يوجب العدل في
الهدية يُسقط ذلك إذا كان الإهداء قبل الدخول بالأخرى ، وخاصة فيما يعرف بـ "
الرضوة " وهو ما يُعطى للمتزوج عليها إرضاءً لها وجبراً لخاطرها .
قال علماء اللجنة الدائمة – وهم ممن يوجب العدل في الهدية - : " ليس بفرض على الزوج
إذا أراد أن يتزوج ثانية أن يُرضي زوجته الأولى ، لكن من مكارم الأخلاق وحسن العشرة
أن يطيِّب خاطرها بما يخفف عنها الآلام التي هي من طبيعة النساء في مثل هذا الأمر ،
وذلك بالبشاشة وحسن اللقاء وجميل القول ، وبما تيسر من المال إن احتاج الرضا إلى
ذلك " .
الشيخ عبد العزيز بن باز , الشيخ عبد الرزاق عفيفي , الشيخ عبد الله بن قعود .
انتهى من " فتاوى اللجنة الدائمة " ( 18 / 402 ) .
وعليه : فما فعله زوجكِ صحيح
، ولا يجب العدل في الهدية بين الزوجات ، وهو لا يخرج عن كونه مستحبّاً لا واجباً ،
ولو فرض وجوبه ، فلا يجب عليه في حق المعقود عليها .
والله أعلم