الحمد لله.
وأما ما ورد عن الإمام أحمد رحمه الله أنه كان يصلي في اليوم والليلة ثلائمائة ركعة ، فالظاهر أنه صحيح عنه ، فقد رواه الإمام أبو نعيم الأصفهاني في " الحلية " ( 9 / 181 ) عن عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : " كان أبي يصلي في كل يوم وليلة ثلاثمائة ركعة ، فلما مرض من تلك الأسواط أضعفته ، فكان يصلي في كل يوم وليلة مائة وخمسين ركعة وكان قرب الثمانين " .
وأما الثاني : فإنه قد يكون ما روي عن بعض العبَّاد من كثرة صلاة ، إنما هو في حال اعتكافهم في بيت من بيوت الله أو يكون ذلك في العشر الأواخر من رمضان ، أو يكون ذلك مع تفرغ كامل عن شغل الدنيا بسبب منع من تدريس أو سجن أو ما شابه ذلك ، فذِكر شيء من عبادة أولئك الأئمة ، قراءة للقرآن ، أو كثرة صلاة غير مستغرب في تلك الأحوال والأوقات ، وانظر جواب السؤال رقم ( 156299 ) .
وثمة فرق بين قراءة القرآن
وكثرة الصلاة ؛ فإن الأئمة والعلماء الثقات الفقهاء ، إذا لم يكونوا في الأحوال
السابقة الذكر ونحوها ، فإنهم لا يختمون في أقل من ثلاث إلا لمراجعة حفظ – مثلاً -
، وأما الصلاة فإنه لا حرج ـ من حيث الأصل ـ في الإكثار منها مع المداومة ، وليس في
ذلك ما يُستنكر منهم وقوعاً ولا مخالفة للشرع ؛ لما ورد من الوصية من الإكثار من
السجود كما رواه مسلم ( 489 ) من قوله صلى الله عليه وسلم لما سأله رَبِيعَةَ بْنِ
كَعْبٍ الْأَسْلَمِيّ عن مرافقته في الجنة قال له ( فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ
بِكَثْرَةِ السُّجُودِ ) .
وقد ثبت عن الإمام عبد الغني المقدسي أنه كان يصلي بعدد صلاة الإمام أحمد وكان يقرأ في الركعتين بالفاتحة والمعوذتين كما ذكره عنه الإمام الذهبي في كتابه " تذكرة الحفاظ " ( 4 / 113 ) ، فكان حرص أولئك الأئمة على الإكثار من السجود تفضيلاً له على قلة الركعات مع طول القيام ، وهو قول مشتهر عند السلف .
والذي ينكر مثل هذا غالبا ، إنما ينكره قياسا على نفسه ، ونظرا إلى حاله من حيث الضعف عن مثل ذلك ، أو كثرة الانشغال ، أو ما يلاحظه أهل الزمان من قلة البركة في الأوقات عما كان عليه الحال في الزمان الأول .
ونحن وإن كنَّا نثبت هذا عن
أولئك الأئمة فإننا لا ننصح بفعله لكل أحدٍ ، بل نوصي المسلم أن يحافظ على الفرائض
ثم الرواتب ثم ما يتيسر من النوافل التي يمكن أن يداوم عليها من غير انقطاع ، كصلاة
الضحى وقيام الليل ، ونرى أن المحافظة على قليل دائم خير من الإتيان بكثير سرعان ما
ينقطع ، فليحافظ المسلم على ركعتين من الضحى وركعتين من قيام الليل يصب خيراً
كثيراً ، ولا مانع أن يزيد في بعض الأحوال إذا رأى منه نشاطاً على أن لا يؤثر ذلك
على استمراريته في الركعتين ، وهي وصية النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال ( يَا
أَيُّهَا النَّاسُ ! خُذُوا مِنَ الأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ ) رواه البخاري ( 5861
) ومسلم ( 782 ) ، وقال صلى الله عليه وسلم – أيضاً - ( أَحَبُّ الْأَعْمَالِ إِلَى
اللَّهِ تَعَالَى أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ ) رواه البخاري ( 6464 ) ومسلم ( 783 )
.
والله أعلم