هل يهاجر من ديار الكفر لبلد مسلم ويترك أهله فيها ؟
أنا الابن الأكبر في العائلة ، وأعيش مع والدتي المطلقة وإخواني ، إننا نعيش في بلد كافر ، وقد ضقت به ذرعاً ، أريد العودة للعيش في بلدي المسلم الذي قدمت منه ، ولكني أخشى من ترك أمي وإخوتي بمفردهم ، فأنا أكبر الأبناء ، وهناك بنات أصغر مني غير متزوجات وأخ آخر ولكنه ما زال في الثالثة عشرة من العمر ، أخشى أن أرتكب إثماً بتركي إياهم ، فما توجيهكم ؟ وجزاكم الله خيراً .
الجواب
الحمد لله.
قد أحسنت غاية الإحسان في قرارك العودة إلى ديارك الإسلامية وترك ديار الكفر ،
ونسأل الله تعالى أن يهدي أهلك لما هُديتَ له ، ولم يعد يخفى ما في تلك الديار من
مفاسد على الدين والأخلاق ، وما فيها من خطر على تربية الأبناء والبنات نتيجة ما
يرونه ويسمعونه ويعيشون معه من المنكرات والفواحش ، مع تجفيف منابع الإيمان والتقوى
من منع الأذان ومحاربة الحجاب والتضييق على أهل الدين وخاصة الدعاة منهم .
وانظر أجوبة الأسئلة (
11793 ) و ( 14235
) و ( 27211 ) .
وأما بخصوص فراقك لبقية أهلك في حال رفضهم الرجوع معك لبلدك المسلم فنقول : إنه إن
كانوا مصرِّين على الرفض ، وكان بإمكانك أن تقيم شعائر دينك في هذه البلاد ، ولم
تخش أن تفتن عن دينك : فامكث معهم إلى أن يقتنعوا بترك تلك الديار ، أو إلى أن تصبح
غير مسئول عنهم .
وأما في حال كان في بقائك في تلك الديار خشية على دينك أن تُفتن فيه ، أو لم يمكنك
إقامة دينك في هذه البلاد : فإنه لا يسعك البقاء في تلك الديار ، ولو ترتب على ذلك
فراق والدتك وإخوانك وأخواتك ، فاصحب من أطاعك منهم معك ، واترك من خالفك وآثر ديار
الكفر ؛ وهذا ما فعله الصحابة الأجلاء من المهاجرين رضي الله عنهم عندما تعيَّن
عليهم فراق ديار الكفر خشية من تعرضهم للفتنة في دينهم .
عَن عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ : أَقْبَلَ رَجُلٌ إِلَى
نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أُبَايِعُكَ عَلَى
الْهِجْرَةِ وَالْجِهَادِ أَبْتَغِي الْأَجْرَ مِنْ اللَّهِ ، قَالَ ( فَهَلْ مِنْ
وَالِدَيْكَ أَحَدٌ حَيٌّ ؟ ) قَالَ : نَعَمْ ، بَلْ كِلَاهُمَا ، قَالَ (
فَتَبْتَغِي الْأَجْرَ مِنْ اللَّهِ ؟ ) قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ ( فَارْجِعْ إِلَى
وَالِدَيْكَ فَأَحْسِنْ صُحْبَتَهُمَا ) .
رواه البخاري ( 1671 ) ومسلم ( 2549 ) .
قال الشيخ محمد بن علاَّن الصدِّيقي - رحمه الله - : " أسقط الشارع عنه وجوب الهجرة
تقديماً لحق أبويه ، فإن الهجرة إن كانت واجبة عليه : فقد عارضها ما هو أوجب منها ،
وهو حق الوالدين ، وإن لم تكن واجبة : فالواجب أولى ، لكن هذا إنما يصح ممن يسلَم
له دينه في موضعهما ، أما لو خاف على دينه : وجب عليه الفرار به ، وترك آبائه
وأبنائه كما فعل المهاجرون الذين هم صفوة الله من العباد " .
انتهى من " دليل الفالحين لطرُق رياض الصالحين " ( 2 / 463 ) .
وانظر جوابي السؤالين (
111564 ) (
70222 ) .
والله أعلم