حكم العمل في مسلخ تصعق فيه الأغنام بالكهرباء ليأكلها الكفار
كمسئول على مركز إسلامي بجزيرة سردينيا الإيطالية ، ورد علي بإلحاح هذا السؤال ، أفتونا مأجورين إن شاء الله تعالى :
في هذه البلاد مسلخ يديره شخص مسلم ، له ما يقارب 20 عاملا من الإيطاليين غير المسلمين ، ويقوم في ذلك المسلخ بذبح الأغنام على طريقة غير المسلمين ، وتباع لغير المسلمين ، بحيث يتم صعقها بالكهرباء ثم إحداث ثقب لها في الوريد ثم يتم سلخها، لكن بعض الإخوة المسلمين الذين يريدون طلب العمل في ذلك المسلخ يسألون: هل يجوز العمل في ذلك المسلخ ؟ هل يجوز لهم كمسلمين قتل الأغنام بتلك الطريقة ؟ هل يجوز تنظيفها بعد موتها ؟ هل يجوز حملها بأيديهم للشحن وملامستها ؟ وهل يجوز تنظيف المسلخ من دمائها ؟ وهل تجوز الصلاة بملابس أصابها بعض دم تلك الأغنام ؟ أفتونا مأجورين ونفع الله بعلمكم ، آمين.
الجواب
الحمد لله.
لا يجوز للمسلم العمل في مسلخ يقتل الأغنام بالصعق الكهربائي ولا يذكيها التذكية
الشرعية ، وذلك لأمرين :
الأول : أن في عمله إعانة على الحرام ، وهو أكل الميتة ، والمتقرر شرعا أن الكفار
مخاطبون بفروع الشريعة ، فيحرم عليهم أكل الميتة كما يحرم على المسلمين ، ولا يجوز
إعانتهم على ذلك بذبح أو حمل أو تقديم .
والثاني : أن هذا إتلاف للبهيمة وإهدار لماليتها .
قال الشافعي رحمه الله : " وإذا حاصرنا المشركين فظفرنا لهم بخيل أحرزناها ... ، أو
كانت معها ماشية ما كانت ، أو نحل أو ذو روح من أموالهم ، مما يحل للمسلمين اتخاذه
لمأكلة : فلا يجوز عقر شيء منها ولا قتله بشيء من الوجوه إلا أن نذبحه ، كما قال
أبو بكر : " لا تعقروا شاة ولا بعيرا إلا لمأكلة ، ولا تغرقن نخلا ولا تحرقنه " ...
ولم أجد لأبي بكر في ذوات الأرواح مخالفا من كتاب ولا سنة ولا مثله من أصحاب رسول
الله صلى الله عليه وسلم فيما حفظت ، فلو لم يكن فيه إلا اتباع أبي بكر كانت في
اتباعه حجة ، مع أن السنة تدل على مثل ما قال أبو بكر في ذوات الأرواح من أموالهم
...
فإن قال قائل ما السنة ؟ قلنا أخبرنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن صهيب مولى
بني عامر عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( من
قتل عصفورا فما فوقها بغير حقها سأله الله عز وجل عن قتله قيل يا رسول الله وما
حقها ؟ قال : أن يذبحها فيأكلها ولا يقطع رأسها ).
وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المصبورة ، ووجدت الله عز وجل أباح قتل
ذوات الأرواح من المأكول بواحد من معنيين ، أحدهما : أن تذكى فتؤكل إذا قدر عليها ،
والآخر : أن تذكى بالرمي إذا لم يقدر عليها ، ولم أجده أباح قتلها لغير منفعة ،
وقتلها لغير هذا الوجه عندي محظور " انتهى من "الأم" (4/ 258) .
والنهي عن المصبورة : أي قتل البهيمة صبرا ، وذلك بأن تحبس وتقتل ، وقد روى البخاري
(5513) ومسلم (1965) عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ دَخَلْتُ مَعَ أَنَسٍ عَلَى
الْحَكَمِ بْنِ أَيُّوبَ فَرَأَى غِلْمَانًا أَوْ فِتْيَانًا نَصَبُوا دَجَاجَةً
يَرْمُونَهَا فَقَالَ أَنَسٌ : " نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنْ تُصْبَرَ الْبَهَائِمُ " .
وروى مسلم (1959) عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قال: " نَهَى رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُقْتَلَ شَيْءٌ مِنْ الدَّوَابِّ صَبْرًا
" .
قال النووي رحمه الله : " قَوْله : نَهَى رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنْ تُصْبَرَ الْبَهَائِم ، وَفِي رِوَايَة : ( لَا تَتَّخِذُوا شَيْئًا
فِيهِ الرُّوح غَرَضًا ) قَالَ الْعُلَمَاء : صَبْر الْبَهَائِم : أَنْ تُحْبَس
وَهِيَ حَيَّة لِتُقْتَل بِالرَّمْيِ وَنَحْوه , وَهُوَ مَعْنَى : لَا تَتَّخِذُوا
شَيْئًا فِيهِ الرُّوح غَرَضًا , أَيْ لَا تَتَّخِذُوا الْحَيَوَان الْحَيّ غَرَضًا
تَرْمُونَ إِلَيْهِ , كَالْغَرَضِ مِنْ الْجُلُود وَغَيْرهَا , وَهَذَا النَّهْي
لِلتَّحْرِيمِ , وَلِهَذَا قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رِوَايَة
اِبْن عُمَر الَّتِي بَعْد هَذِهِ : ( لَعَنْ اللَّه مَنْ فَعَلَ هَذَا )
وَلِأَنَّهُ تَعْذِيب لِلْحَيَوَانِ وَإِتْلَاف لِنَفْسِهِ , وَتَضْيِيع
لِمَالِيَّتِهِ , وَتَفْوِيت لِذَكَاتِهِ إِنْ كَانَ مُذَكًّى , وَلِمَنْفَعَتِهِ
إِنْ لَمْ يَكُنْ مُذَكًّى " انتهى .
وقتل البهائم بالصعق ، دون تذكية ، تضييع لماليتها ، وتفويت لذكاتها ، فلا يجوز
عمله ، ولا الإعانة عليه .
والله أعلم .