لديه أرض وقام ابنه بالبناء عليها ، فباعها الأب وأخذ الثمن فما الحكم ؟
أب يملك قطعة أرض وقد بنى ابنه على هذه الأرض مبنى من ماله الخاص ، فباع الوالد قطعة الأرض هذه حيث إنه مالك هذه الأرض ، وقد سمعت حديثًا في سنن أبي داود رقم 3523 :
عن عبد الله بن عمرو بن العاص :" أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول :إن لي مالا وولدا وإن والدي ليجتاح مالي قال: أنت ومالك لوالدك ، أن أولادكم من أطيب كسبكم ، فكلوا من كسب أولادكم".
لدى الابن الذي شيّد هذا المبنى ثلاثة أبناء ، كيف سيتم تعويضه عن المبنى الذي بناه وباعه أبيه وأخذ المال ؟ وهل هذا الحديث صحيح ؟ وهل هناك محكمة شرعية تختص بالنظر في هذه الأمور؟ وما الحكم لو لم يكن هناك محكمة شرعية مختصة بالنظر في هذه الأمور في الهند ؟
الجواب
الحمد لله.
أولا :
البناء الذي بناه الابن ملكٌ له ، وإذا لم يكن الأب محتاجا فليس له أن يأخذ من ثمن
البناء شيئا ، بل يعطيه لابنه أو لورثته إن مات .
وإذا كان الأب محتاجا ، جاز له أن يأخذ من ثمن البناء قدر حاجته ولا يزيد ؛ وذلك أن
أخذ الأب من مال ابنه مشروط بشروط بينها أهل العلم .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله معلقا على حديث : ( أَنْتَ وَمَالُكَ لأَبِيكَ ) :
"هذا الحديث ليس بضعيف ؛ لشواهده ، ومعنى ذلك : أن الإنسان إذا كان له مال : فإنَّ
لأبيه أن يتبسَّط بهذا المال ، وأن يأخذ من هذا المال ما يشاء ، لكن بشروط :
الشرط الأول : ألا يكون في أخذه ضرر على الابن ، فإن كان في أخذه ضرر كما لو أخذ
غطاءه الذي يتغطى به من البرد ، أو أخذ طعامه الذي يدفع به جوعه : فإن ذلك لا يجوز
للأب
الشرط الثاني : أن لا تتعلق به حاجة للابن ، فلو كان عند الابن سيارة يحتاجها في
ذهابه ، وإيابه وليس لديه من الدراهم ما يمكنه أن يشتري بدلها : فليس له أن يأخذها
بأي حال .
الشرط الثالث : أن لا يأخذ المال مِن أحد أبنائه ليعطيه لابنٍ آخر ؛ لأن ذلك إلقاء
للعداوة بين الأبناء ، ولأن فيه تفضيلاً لبعض الأبناء على بعض إذا لم يكن الثاني
محتاجاً ، فإن كان محتاجاً : فإن إعطاء الأبناء لحاجة دون إخوته الذين لا يحتاجون :
ليس فيه تفضيل بل هو واجب عليه .
وعلى كل حال : هذا الحديث حجة أخذ به العلماء واحتجوا به ، ولكنه مشروط بما ذكرنا "
.
انتهى من "فتاوى إسلامية" (4/ 136) .
وهناك شرط رابع ذهب إلى القول به جمهور العلماء ، خلافاً للإمام أحمد رحمه الله ،
وهو :
أن يأخذ الأب مال ولده لحاجته إليه ، فإن كان غير محتاج ، فلا يجوز له أن يأخذ منه
شيئاً إلا برضى ولده .
وقد استدلوا على ذلك بعدة أحاديث ، منها : ما رواه الحاكم (3123) عن عائشة رضي الله
عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن أولادكم هبة الله لكم [يَهَبُ
لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ] فهم وأموالهم لكم إذا
احتجتم إليها ) . صححه الحاكم على شرط الشيخين ، ووافقه الذهبي ، وصححه الألباني في
"السلسلة الصحيحة" ( 2564 ) ، وقال : "وفي الحديث فائدة فقهيَّة هامَّة ، وهي أنه
يبيِّن أن الحديث المشهور (أَنْتَ وَمَالُكَ لأَبِيكَ) ليس على إطلاقه ، بحيث أن
الأب يأخذ من مال ابنه ما يشاء ، كلا ، وإنما يأخذ ما هو بحاجة إليه . والله أعلم"
انتهى .
وقال ابن قدامة رحمه الله : " وقال أبو حنيفة ومالك والشافعي : ليس له أن يأخذ من
مال ولده إلا بقدر حاجته ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إِنَّ دِمَاءَكُمْ
وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا ، فِي
شَهْرِكُمْ هَذَا ) متفق عليه . وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (لا يحل
مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفسه) رواه الدارقطني ؛ ولأن ملك الابن تام على مال نفسه
, فلم يجز انتزاعه منه" انتهى من "المغني" (5/ 395) باختصار .
فينبغي بيان الحكم الشرعي للأب .
وللابن وأولاده الرجوع للقضاء ، أو الاستعانة بأهل العلم ومن لهم تأثير على الأب
لإقناعه برد ما لا يحتاجه من ثمن البناء إليهم .
والله أعلم .