الحمد لله.
ثانياً:
والمال الذي أخذتِه على قسمين :
1. أن يكون صاحبُه معروفاً كوالديك وإخوانك ومعلمك وغيرهم فعليك رد حقهم إليهم ،
ولا يلزمك إخبارهم بما فعلتِ – كما تصرفتِ مع المدرس الأول - بل يكفي منك إيصال
حقِّهم لهم كما فعلتِ مع المدرِّس الآخر .
ويُستثنى ممن سبق : والدُك ؛ لأن نفقتك واجبة عليه ، فإذا كان الأب لم يكن ينفق
عليكِ نفقتك الواجبة عليه فلكِ الأخذ من ماله ما يكفيك بالمعروف ؛ لإذن النبي صلى
الله عليه وسلم – كما في الصحيحين - لهند بنت عتبة أن تأخذ من مال زوجها أبي سفيان
ما يكفيها وولدها بالمعروف ، فإن كنتِ أخذتِ أكثر من حاجتك أو كان والدك غير ممتنع
عن النفقة عليك فيلزمك رد حقِّه له ، أو استسماحه فيما أخذت من ماله من غير إذنه .
2. أن يكون صاحبُه غير معروف العين أو لا يمكن معرفة مكان وجوده : فتقدِّرين قدر
المال المأخوذ منهم بغير حق وتتصدقين به عنهم في وجوه الخير المختلفة .
وأما شأن المعلم الذي لم تتأكدي من وصول المال إليه : فهذا أمره هين بأن تتصلي
عليه أو تبعثي له رسالة على البريد ، أو بأي طريق مشابه ، وتستفسري منه عن وصول
المال له ، فإن قال إن المال قد وصله فقد برأت ذمتك ، وإن لم يصله ، فتردين له حقه
؛ لأنَّ الشخص الذي أوصلتِ المال عن طريقه غير معروف عندك في الأصل ولا هو مزكَّى
من أحد .
فإذا تعذر عليك ذلك ، فنرجو أن يكون الله قد أدى عنك ما أرسلت لهذا الأستاذ ، وأن
تكون ذمتك قد برأت بذلك .
ثالثاً:
أما سؤالك عن كيفية إطابة مطعمك : فالجواب عنه : أنه بالعمل المباح والأكل من
الحلال ، فمن كان كسبه من عمل حلال وأكل مما أباحه الله تعالى له من المطعومات فقد
أطاب مطعمه ، وهو أمر الله تعالى للمرسلين والمؤمنين ، قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا
الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا
تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ) المؤمنون / 51 ، وقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ
كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ . إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ
وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ
اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ
رَحِيمٌ ) البقرة /172-173 .
قال ابن كثير - رحمه الله - : " يقول تعالى آمراً عباده المؤمنين بالأكل من طَيبات
ما رزقهم تعالى وأن يشكروه على ذلك إن كانوا عبيده ، والأكل من الحلال سبب لتقبل
الدعاء والعبادة ، كما أن الأكل من الحرام يمنع قبولَ الدعاء والعبادة كما جاء في
الحديث الذي رواه الإمامُ أحمد عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم : ( أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيِّبًا وإن الله أمر المؤمنين بما
أمر به المرسلين فقال: ( يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ
وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ) المؤمنون/ 51 ، وقال (
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ )البقرة
/172 ، ثم ذكر الرجل يطيلُ السفر أشعث أغبر يمدُّ يديه إلى السماء : يا رب يا رب ،
ومطعمه حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغُذي بالحرام فأنَّى يستجاب لذلك ) رواه مسلم
في صحيحه " انتهى من " تفسير ابن كثير " ( 1 / 481 ) .
وقال ابن رجب الحنبلي – رحمه الله - : " والمراد بهذا : أن الرسل وأممهم مأمورون
بالأكل من الطيبات التي هي الحلال وبالعمل الصالح ، فما كان الأكل حلالا فالعمل
الصالح مقبول ، فإذا كان الأكل غير حلال فكيف يكون العمل مقبولا ؟! وما ذكره بعد
ذلك من الدعاء وأنه كيف يُتقبل مع الحرام : فهو مثال لاستبعاد قبول الأعمال مع
التغذية بالحرام " انتهى من " جامع العلوم والحِكَم " ( ص 100 ) .
ويُرجى أن تكون توبتك ماحيةً لذنبك فيرتفع عنك مانع استجابة الدعاء بالأكل الحرام ،
وأن يكون ما سبق منك من أفعال لا تأثير له عليه مع التوبة الصادقة ، إن شاء الله .
رابعاً:
العبد مطالب في أعماله بالإخلاص لله وحده ، ومطالب بالحذر من الرياء والعُجب عند
قيامه بالطاعات ، لحديث عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَتْ : " سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ : ( وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ
) قَالَتْ عَائِشَةُ : أَهُمْ الَّذِينَ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَيَسْرِقُونَ ؟
قَالَ : ( لَا يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ وَلَكِنَّهُمْ الَّذِينَ يَصُومُونَ
وَيُصَلُّونَ وَيَتَصَدَّقُونَ وَهُمْ يَخَافُونَ أَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْهُمْ
أُولَئِكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ ) . رواه الترمذي ( 3175 )
وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .
وفي الوقت نفسه على المؤمن الحذر من أن يوسوس له الشيطان بتخويفه من الرياء
ليحجزه عن صنع المعروف وعن التوبة والرجوع ، فلا تلتفتي إلى هذه الوساوس ، وأخلصي
عملك لله وامضِ على توبتك واستقامتك ، والإخلاص باعث على العمل ومحفز له فإذا رأيت
أنك ترجعين إلى الوراء من عملٍ يحبه الله خوفا من الرياء فاعلمي أن ذلك من الشيطان
.
وللاستزادة من هذه المسألة انظري جواب السؤال رقم (
9359 ) .
خامساً:
الصدقة تطيب النفس والمال وتبارك فيه وتنميه ، وهي سبيل عظيم لتكفير الذنوب وستر
العيب وجبر المصاب ونزول الرحمات ، قال تعالى : ( يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا
وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ ) البقرة/
276 ، وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه
وسلم قَالَ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : ( أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ ) رواه
البخاري ( 5073 ) ومسلم ( 993 ) ، وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ :
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ
مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ - وَلاَ يَقْبَلُ اللَّهُ إِلاَّ الطَّيِّبَ - وَإِنَّ اللَّهَ
يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ ، ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ كَمَا يُرَبِّى
أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَل ) رواه البخاري ( 1344 )
ومسلم ( 1014 ) .
فَلوَّه : مُهره الصغير .
ومعنى ( عَدل تمرة ) أي : مثلها وشبهها .
وهذا الحديث يفيدنا أن الصدقة ليست بالكم والكثرة ، فعدل تمرة إن خرجت لله تقبلها
ونماها حتى تكون كالجبل .
وختاماً:
عليك بكثرة الدعاء ، والعمل الصالح ، والبحث عن رفقة حسنة ، وقيام الليل ، وقراءة
القرآن وسماع المواعظ ، وطلب العلم ، والدعوة إلى الله ، وغير ذلك مما يبعدك عن
المعصية ، ويشغلك بالطاعة ، فالنفس إن لم تُشغل بالطاعة اشتغلت بالمعصية - والعياذ
بالله - .
والله أعلم