الحمد لله.
وقال القاضي أبو بكر الباقلاني : " فإن عصى بقول أو فعل نص الله تعالى ورسوله ،
أو أجمع المسلمون أنه لا يوجد إلا من كافر ، أو يقوم دليل على ذلك فقد كفر " اهـ.
وقال أبو البقاء في "كلياته" (ص 764) : " والكفر قد يحصل بالقول تارة وبالفعل أخرى
، والقول الموجب للكفر إنكار مجمع عليه فيه نص ، ولا فرق بين أن يصدر عن اعتقاد، أو
عناد، أو استهزاء ، والفعل الموجب للكفر هو الذي يصدر عن تعمد ، ويكون الاستهزاء
صريحاً بالدين ، كالسجود للصنم " اهـ.
قال القونوى : " ولو تلفظ بكلمة الكفر طائعاً غير معتقد له يكفر ، لأنه راض
بمباشرته وإن لم يرض بحكمه ، ولا يعذر بالجهل، وهذا عند عامة العلماء ، خلافاً
للبعض .
وفيه أيضاً: " ثم اعلم أنه إذا تكلم بكلمة الكفر ، عالماً بمبناها ولا يعتقد
معناها، لكن صدرت عنه من غير إكراه ، بل مع طواعية في تأديته ، فإنه يحكم عليه
بالكفر بناءً على القول المختار عند بعضهم " انتهى من "إكفار الملحدين في ضروريات
الدين" (ص: 69) .
وقال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد رحمه الله :
" التلفظ بكلمة الكفر يوجب الحكم بالردّة ، لكن في حال الإكراه ينفي وجوب الحكم
بردّة المكره " انتهى من "الحدود والتعزيرات عند ابن القيم" (ص: 443) .
فما فعلته من الإقرار لهم قولا ، أو كتابة أنك ارتددت عن الإسلام ودخلت النصرانية ،
وإن لم تكن قصدت الردة ، ثم ذهابك إلى الكنيسة مرارا ، وذلك لغرض خسيس وهو الالتحاق
ببلاد الكفر وترك بلاد الإسلام ، لا شك أنه من الطوام المهلكات ، وهو عند كثير من
أهل العلم من الكفر بالله العظيم ، ومن الردة عن دين الإسلام ، والاستخفاف بشأنه
واللعب به .
ولا مخرج لك من ذلك البلاء والجرم الخطير : إلا أن تتوب إلى الله جل جلاله ،
وترجع إلى إسلامك من جديد ، وتجدد إيمانك ، فتنطق بالشهادتين ، وتقيم أمر دينك كما
أمرك ربك .
ولتنأ بنفسك عن موطن الفتنة بالشرك وأهله ، وينبغي لك أن تترك البلاد التي أوقعتك
في الشرك بالله ، وتقيم في بلدك ، أو حيث تأمن على دينك من الفتن .
قال الله تعالى :
( وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ
النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ
يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا
فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا
رَحِيمًا ) الفرقان/ 68 - 70
قال ابن القيم رحمه الله :
" قد استقرت حكمة الله به عدلا وفضلا : أن التائب من الذنب كمن لا ذنب له ، وقد ضمن
الله سبحانه لمن تاب من الشرك وقتل النفس والزنا ، أنه يبدل سيئاته حسنات ، وهذا
حكم عام لكل تائب من ذنب ، وقد قال تعالى : (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ
أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ
يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) فلا يخرج من
هذا العموم ذنب واحد ، ولكن هذا في حق التائبين خاصة " انتهى من "الجواب الكافي" (1
/ 116) .
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله :
" من يتكلم بما يوجب ردته : عليه التوبة ويستحب له الغسل ، وقال بعض أهل العلم يجب
الغسل ، وقول الوجوب فيه خلاف بين العلماء ، والأحوط والأقرب أنه مسنون مشروع ،
وإنما الواجب التوبة والرجوع إلى الله والإنابة إليه والندم على ما مضى منه ،
والإقلاع من معصيته وكفره ، والتوبة إلى الله والعزم الصادق على ألا يعود لذلك ،
وبذلك يتوب الله عليه ، وقال تعالى : ( وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا
الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (
التائب من الذنب كمن لا ذنب له ) . فإذا تكلم بكفر، بأن سب الدين أو تنقص الدين، أو
سب الصحابة أو ما أشبه ذلك، يجب أن يرجع إلى التوبة " .
انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (4/ 167) .
وللفائدة : راجع إجابة السؤال رقم (159280) .
فأحسن الظن بالله ، وتوجه إليه بالتوبة والعمل الصالح والتوحيد الخالص والندم
الأكيد ، ولا داعي لهذه الوساوس والخطرات التي قد تقنطك من رحمة الله ، ولا أحد من
الخلق يعلم علام يموت ؟ فبادر بالتوبة يا عبد الله ، وأقلع عن الشرك وأهله ، وفعله
وقوله ، وأحسن فيما تبقى من أجلك ، لعل الله أن يجبر كسرك ، ويغفر لك ما قد فات .
والله أعلم .