الحمد لله.
ومن نذر نذرا معيّنا ، كصوم هذا الخميس ، لم يجز له تأخير الوفاء
به عمدا ، فإن نسيه ، قضاه ، ولا إثم عليه ولا كفارة .
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " سائل يقول عندما حضرت إلى المملكة للعمل سألت
الله سبحانه وتعالى أن يوفقني في عملي وسفري هذا ، ونذرت لله سبحانه و تعالى أن
أصلى يومياً أربع ركعات حمداً وشكراً له ، وذلك طول حياتي ، وذات يوم نسيت صلاة هذه
الأربع ركعات ، وقمت بصلاتها في اليوم التالي ، فما الحكم في هذا السهو ؟ هل قضاؤها
ثاني يوم مقبول ، أم الأمر فيه كفارة ؟ أرجو إفادتكم بارك الله فيكم ؟
فأجاب رحمه الله تعالى: قبل أن أجيب على سؤاله أود أن أنبه ، وكم نبهت ونبه غيري أن
النذر مكروه ، حتى قال بعض العلماء إنه حرام ، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم
نهى عنه ، وفي القرآن ما يشير إليه ، أي إلى النهي عنه ، حيث قال الله تعالى : (
وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ
قُلْ لا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ ٌ) ، أي : أطيعوا الله تعالى بدون أن
تقسموا ، أو : أطيعوا الرسول صلى الله عليه وسلم إذا أمركم بالخروج ، بدون أن
تقسموا ، والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النذر وقال إنه لا يأتي بخير ، والنظر
يقتضي النهي عنه أيضاً ؛ ذلك لأن كثيراً من الناذرين يصعب عليهم أن يوفوا بنذورهم ،
فتجدهم يذهبون إلى كل عالم يطرقون بابه لعلهم يجدون الخلاص منه ، وبعضهم يتهاون ولا
يوفي بنذره ، وإذا تهاون الإنسان بنذره الذي يجب عليه الوفاء به فإنه يخشى عليه من
النفاق لقول الله تعالى : ( وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ
فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنْ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ
مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ
نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا
وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ) .
وبعد هذا نجيب على سؤال السائل ونقول : إنك نذرت أن تصلى لله تعالى أربع ركعات ،
طول حياته ما دام في المملكة كما يظهر لي من سؤاله ، والصلاة طاعة لله عز وجل ، وقد
ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( من نذر أن يطيع الله فليطعه) ، وعلى
هذا فيلزمك أن تصلى كل يوم أربع ركعات كما نذرت ، فإذا نسيتها ذات يوم فصلها متى
ذكرتها ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها متى
ذكرها ولا كفارة لها إلا ذلك ) والواجب بالنذر أن يحذو به حذو الواجب بأصل الشرع .
أما لو تركتها عمداً إلى اليوم الثاني فإنك آثم بذلك لأنك لم تأت بنذرك ، وعندي
تردد في كونه يجزئك أن تقضيه في اليوم الثاني أو لا يجزئك ، لأنها صلاة مؤقتة بوقت
، أخرجتها عن وقتها بدون عذر شرعي ، فلا تكون مقبولة منك ، لقول النبي عليه الصلاة
والسلام : ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ) وأنت مأمور أن توفي بنذرك في
وقته الذي عينته ؛ فإن أخرته عن وقته الذي عينته عمداً فقد فعلت غير ما أمرت ،
فيكون ذلك مردوداً عليك ، وفي هذه الحال تكفر كفارة يمين لفوات النذر عن وقته ،
وكفارة اليمين هي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة ، فمن لم يجد فصيام
ثلاثة أيام متتابعة " انتهى من "فتاوى نور على الدرب".
والله أعلم .