الحمد لله.
ثانياً:
أما بخصوص زوجتك الأولى فلا يخرج ما فعلته معها من كونه هبة منها لحقها في المبيت
لك أو لضرتها ، أو يكون من باب الصلح ، فإن كان الأول فلها الرجوع عنه ومطالبتك
بحقها في القسم لها كضرتها ويجب عليك الاستجابة لها ، وإن كان ما حصل معها هو من
باب الصلح مقابل عدم تطليقك لها : ففعلها جائز ولا شك أنه خير من الفرقة ؛ لتبقى
زوجاً لها تدخل بيتها من غير حرج وتراها وتراك ، وأصل الجواز هو قوله تعالى : (
وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلا جُنَاحَ
عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ
الأنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا
تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ) النساء/ 128 .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله - : " أي : إذا خافت المرأة نشوز زوجها أي
: ترفعه عنها وعدم رغبته فيها وإعراضه عنها : فالأحسن في هذه الحالة أن يصلحا
بينهما صلحاً ، بأن تسمح المرأة عن بعض حقوقها اللازمة لزوجها على وجه تبقى مع
زوجها ، إما أن ترضى بأقل من الواجب لها من النفقة أو الكسوة أو المسكن أو القسم
بأن تسقط حقها منه ، أو تهب يومها وليلتها لزوجها أو لضرتها .
فإذا اتفقا على هذه الحالة : فلا جناح ولا بأس عليهما فيها ، لا عليها ولا على
الزوج ، فيجوز حينئذ لزوجها البقاء معها على هذه الحال ، وهي خير من الفرقة ، ولهذا
قال ( وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ) " انتهى من " تفسير السعدي " ( ص 206 ) .
وهل للزوجة الرجوع عن الصلح ونقضه ؟ والجواب : ليس لها الرجوع عنه ولا يُلزم الزوج
بالاستجابة لها ، بل هو مخيَّر في فعلها أو عدمها ، والجمهور على خلاف ذلك ويرون أن
لها أن تنقض الصلح ويُلزم زوجُها بقبوله .
قال ابن بطَّال – رحمه الله - : " واختلفوا هل ينتقض هذا الصلح ، فقال عبيدة : هما
على ما اصطلحا عليه فإن انتقضت : فعليه أن يعدل عليها أو يفارقها وبه قال النخعي
ومجاهد وعطاء ، وحكى ابن المنذر : أنه قول الثوري والشافعي وأحمد ، وقال الكوفيون :
الصلح فى ذلك جائز ، وقال ابن المنذر : لا أحفظ عنهم في الرجوع شيئاً ، وقال الحسن
البصري : ليس لها أن تنقض وهما على ما اصطلحا عليه ، وقول الحسن : هو قياس قول مالك
فيمن أنظره بالديْن أو أعاره عارية إلى مدة أنه لا يرجع فى ذلك ، وقول عبيدة هو
قياس قول أبي حنيفة والشافعي ؛ لأنها هبة منافع طارئة لم تقبض فجاز فيها الرجوع "
انتهى من " شرح صحيح البخاري " ( 7 / 328 ) .
ولا شك أن قول الجمهور أحوط وإن كان القول الآخر أرجح .
وقد ذكرنا الفرق بين الهبة والصلح وذكرنا فتاوى العلماء في المسألة في جواب السؤال
رقم ( 161302 )
فانظره .
ثالثاً:
لا يجوز للزوجة الأخرى أن تطلب الطلاق إذا رجعتَ إلى زوجتك الأولى وإلاَّ عرضت
نفسها للوعيد ، فعَنْ ثَوْبَانَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : ( أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا الطَّلَاقَ مِنْ غَيْرِ مَا
بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ ) رواه الترمذي ( 1187 ) وأبو
داود ( 2226 ) وابن ماجه ( 2055 ) ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .
وانظر جواب السؤال رقم (
127145 ) .
فإذا جرَّبت الزوجة الثانية حياتها مع زوجته الأولى ولم تطق صبراً ، وخشيت عدم
القيام بحق زوجها : فلا بأس بطلب المخالعة ، كما بينَّاه في جواب السؤال رقم ( 452
) .
وينظر تفصيل " الخلع " في جواب السؤال رقم (
26247 ) ، وينظر في
عدة الخلع ورجوع المختلعة لزوجها جوابا السؤالين (
5163 ) و (
14569 ) ، وينظر في
الفرق بين الخلع والطلاق جواب السؤال رقم (
175765 ) .
رابعاً:
إذا كان الزوج محتاجاً للتزوج بزوجة ثانية فلا ينبغي لوالديه منعه من تحقيق ذلك ،
فإن فعل من غير رضاهم فلا يعد فعله عقوقاً من حيث الأصل ، وينظر تفصيل ذلك في جواب
السؤال رقم ( 98768
) .
غير أننا لا ننصحك في الإقدام على زواج ثاني ، يجعل زواجك الأول في محل الخطورة أو
مهب الرياح ؛ فليس العاقل من يبني قصرا ويهدم مصرا !! وإذا قدر أنك احتجت إلى ذلك ،
ورغبت فيه ، فهنا يأتي الدور الأهم في حسن اختيارك ؛ فما الذي يدفعك إلى اختيار
زوجة ثانية تهدد لك بيتك الأول ، وتلزمك بأمر لا يلزمك ؛ الذي يجب عليك أن تختار ما
يناسب ظرفك ، فتختار الزوجة التي تقبل بوضع أنها زوجة ثانية ، وأنك لست مستعدا لهدم
بيتك الأول لأجلها ؛ فإن استقامت العشرة مع الزوجتين ، فهذا هو المطلوب ؛ وإلا ،
فأنت بالخيار ، ترى ما يصلح لك ، ويصلح شأنك ، ولا تكون ملزما بأمر لا يلزمك من
الأصل .
والله أعلم