الحمد لله.
وقال الحافظ ضياء الدين
المقدسي رحمه الله : " كتب بعضُهم إلى أبي الوفاء بن عقيل يقول له : صِف لي أصحابَ
الإمام أحمد على ما عرفت من الإنصاف.
فكتب إليه يقول: هُم قوْم خُشُنٌ ، تقَلّصتْ أخلاقهم عن المخالطة ، وغلظت طباعهم عن
المداخلة ، وغلب عليهم الجدّ ، وقلَّ عندهم الهزل ، وغربتْ نفوسهم عن ذل المراءاة ،
وفزعوا عن الآراء إلى الروايات ، وتمسكوا بالظاهر تحرّجًا عن التأويل ، وغلبت عليهم
الأعمال الصالحة ، فلم يدققوا في العلوم الغامضة ، بل دققوا في الورع ، وأخذوا ما
ظهر من العلوم ، وما وراء ذلك قالوا: الله أعلم بما فيها، من خشية باريها ، لم أحفظ
على أحد منهم تشبيهًا ، إنما غلبت عليهم الشناعة لإيمانهم بظواهر الآي والأخبار، من
غير تأويل ولا إنكار، والله يعلم أنني لا أعتقد في الإسلام طائفة محقة ، خالية من
البدع ، سوى من سلك هذا الطريق " انتهى من "ذيل طبقات الحنابلة" (ص 61) .
وكان أهم ما اتصفوا به التزامهم منهج السلف الصالح في كل شيء ، وخاصة في المسائل
الاعتقادية كمسائل الأسماء والصفات ، فيثبتون لله تعالى أسماءه وصفاته من غير تحريف
ولا تأويل ولا تعطيل ولا تمثيل .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" وَالْعَجَبُ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْمُتَكَلِّمِينَ إذَا اُحْتُجَّ عَلَيْهِمْ بِمَا
فِي الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ مِنْ الصِّفَاتِ قَالَ : قَالَتْ الْحَنَابِلَةُ :
إنَّ اللَّهَ : كَذَا وَكَذَا بِمَا فِيهِ تَشْنِيعٌ وَتَرْوِيجٌ لِبَاطِلِهِمْ
وَالْحَنَابِلَةُ اقْتَفَوْا أَثَرَ السَّلَفِ وَسَارُوا بِسَيْرِهِمْ وَوَقَفُوا
بِوُقُوفِهِمْ بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ " انتهى من "مجموع الفتاوى" (4 /186) .
وكان فيهم من علماء الفقه والحديث والتفسير والعقيدة واللغة أئمة هدى وصلاح ، منهم
أبو بكر الأثرم ، وأبو بكر المروزي ، وأبو بكر الخلال ، وأبو بكر عبد العزيز ، وأبو
داود السجستاني ، وأبو الحسن التميمي ابن حامد ، وأبو يعلى ، وابن عقيل ، وأبو
القاسم الخرقي ، وعبد الغني المقدسي ، وأبو محمد بن قدامة ، وغيرهم كثير لا يحصون
كثرة .
وما يقال عنهم من التعصب والتشدد في دين الله غير صحيح ؛ فإنهم لما أرادوا انتهاج
منهج السلف والعمل بمقتضى النصوص الشرعية ، وكان في مخالفيهم ميل إلى بعض الأهواء
والشهوات ، اتهموهم بذلك بغيا وحسدا .
على أنهم في ذلك كله بشر من البشر ، لهم ما لهم ، وعليهم ما عليهم ، ليسوا بمعصومين
.
والواجب على المسلم أن يُجلّ أهل العلم ويعرف لهم فضلهم وشرفهم ؛ لأن العلماء ورثة
الأنبياء ، سواء كانوا من المذهب الحنبلي أو غيره من مذاهب أهل السنة ، التي تعمل
على نشر السنة وتطبيقها حسب قدراتهم واجتهاداتهم وما أدتهم إليه معرفتهم بالعلوم
الشرعية .
ثانيا :
من الكتب التي تتحدث عن تاريخ الحنابلة وتراجمهم ، والتي ننصح بمراجعتها :
- "المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل" للعلامة عبد القادر بن بدران الدمشقي ،
وهو من أفضل الكتب في أصول المذهب والتعريف به باختصار .
- "طبقات الحنابلة" لابن أبي يعلى .
- "ذيل طبقات الحنابلة" لابن رجب الحنبلي .
- "سنوات الحنابلة" لعلي بن محمد آل بابطين ، وهو كتاب نافع جدا بخصوص هذا الموضوع
- "سير أعلام النبلاء" للحافظ شمس الدين الذهبي .
- "تاريخ الإسلام" للحافظ شمس الدين الذهبي .
- "البداية والنهاية" للعماد ابن كثير .
والله تعالى أعلم .