كان لديَّ طفلة توفيت قبل سنتين عن عمر سنة و 7 أشهر ، وذلك لمرض بالدم منذ الولادة ، وبعد وفاتها إلى الآن وأنا أحس بالتأنيب مراراً ، ولا أدري عليَّ ذنب بوفاتها أم لا ؛ حيث إنها بدأت أعراض مرضها تزداد ، ولم أذهب بها للمستشفى ، رحمة بها من الإبر وغيرها ، وحاولت الاعتناء بها كالعادة في المنزل وبعد يوم 6 ساعات ازدادت سوءاً وذهبنا بها للمستشفى ، ووجَّه الأطباء لي ولوالدها اللوم لعدم مجيئنا مباشرة حيث دخلت بغيبوبة وتوفيت بعد 3 أيام ، بالعادة لا تصل حالتها إلى هذا الحد من السوء عند تأخرنا بالذهاب بها للمستشفى .
ماذا عليَّ وعلى والدها بالتفصيل جزاكم الله خيراً ؟
الحمد لله.
فنعزيكم أولاً بتعزية النبي صلى الله عليه وسلم حين أخبرته ابنتُه بوفاة ابنها فقال
( إنَّ لِلَّهِ مَا أَخَذَ وَلَهُ مَا أَعْطَى وَكُلٌّ عِنْدَهُ بِأَجَلٍ مُسَمًّى
فَلْتَصْبِرْ وَلْتَحْتَسِبْ ) رواه البخاري ( 6228 ) ومسلم ( 923 ) من حديث أسامة
بن زيد .
ونذكركم بحديث عظيم الوقع على النفس وعظيم الأجر في الآخرة ، فعَنْ أَبِي مُوسَى
الْأَشْعَرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (
إِذَا مَاتَ وَلَدُ الْعَبْدِ قَالَ اللَّهُ لِمَلَائِكَتِهِ : قَبَضْتُمْ وَلَدَ
عَبْدِي فَيَقُولُونَ : نَعَمْ فَيَقُولُ : قَبَضْتُمْ ثَمَرَةَ فُؤَادِهِ ،
فَيَقُولُونَ : نَعَمْ فَيَقُولُ : مَاذَا قَالَ عَبْدِي فَيَقُولُونَ حَمِدَكَ
وَاسْتَرْجَعَ فَيَقُولُ اللَّهُ : ابْنُوا لِعَبْدِي بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ
وَسَمُّوهُ بَيْتَ الْحَمْدِ ) رواه الترمذي ( 1021 ) وقَالَ : حَدِيثٌ حَسَنٌ
غَرِيبٌ ، وحسَّنه الألباني في " صحيح الترمذي " .
فعليكم بالصبر والاحتساب وحمد الله على ما قدَّر وقضى ، والعلم علم اليقين أن ما
كتبه الله خير لكم ولها وشر دفعه عنكم وعنها وأنه أرحم بالطفلة منكِم وأرأف .
وهذا الموت مهما حذر الإنسان منه فلا بدَّ أن تذوقه كل نفس ، وكلنا إليه صائرون
صغاراً وكباراً أصحاء ومرضى ، قال تعالى ( فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا
يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ) الأعراف/ 34 ، وقال تعالى ( وَمَا
تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ
إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) لقمان/ 34 .
ولا حرج عليكما فيما فعلتما ، إن شاء الله ، فقد فعلتما ما تظنانه حسناً في مصلحتها
، وليس على وجه الأرض أحد أرحم بالطفلة منكِ ومن والدها ، ولم يكن بحسبانكما أن يصل
الأمر إلى ما وصل إليه ، فنرجو أن يرفع الله عنكم الحرج ، وها أنتِ ووالدها قد
ذهبتما بها إلى المستشفى عندما رأيتما الحالة تستدعي ذلك .
وإنما الذي ينبغي عليكما ،
وعلى غيركما : الحذر من " الإهمال " والحذر أيضا من الشفقة الضارة ، وقد قيل : "
أشفق على ولدك من إشفاقك عليه " ، فليس كل من سارع بابنه المريض إلى المستشفى قد
أحسن إليه ، فنرجو من الله أن لا يكون عليكما مؤاخذة في فعلكما ، واتركا معاتبة
النفس والتأنيب على ما فات ، وقدما الخير لنفسيكما بالعمل الصالح ، والإكثار من
الإنجاب ، وتربية أولادكما على الدين والخلُق .
والله أعلم