الحمد لله.
ثانياً:
مع أن ما فعلته تلك المرأة معصية كبيرة وذنب عظيم إلا أن هذا لا يعني انغلاق باب
التوبة في وجهها ، بل إن باب التوبة مفتوح لكل المذنبين مهما عظمت ذنوبهم وكثرت ،
والمهم أن يدرك الواحد منهم وقت التوبة قبل موته ويعجل بها خشية أن يدركه الأجل
فيلقى ربَّه على هذا الذنب العظيم .
وقد أحسنت تلك المرأة المسلمة بندمها على فعلتها ، وانفكاكها عن ذلك الرجل الكافر ،
وإذا صدقت في توبتها وندمت على فعلها وعزمت على أن لا ترجع لمثلها فإن الله تعالى
يقبل توبتها ويثيبها عليها خيراً ، قال تعالى : ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ
أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ
يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) الزمر/ 53 ،
وقال تعالى : ( وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ )
الرعد/ 6 ، وقد نصَّ الله تعالى على قبوله توبة أصحاب الذنوب الكبيرة – وهي الشرك
والقتل والزنى – فقال عز وجلَّ : ( وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً
آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا
يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً . يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً . إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ
وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ
حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً . وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً
فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً ) الفرقان/ 68 – 71 .
ثالثاً:
أما بخصوص ما أعطاه ذلك الرجل من مالٍ لها : فلا نرى بأساً من قبوله والانتفاع به ،
وقد أهدى " ملِك أيلة " للنبي صلى الله عليه وسلم بغلة بيضاء وكساه بُرداً ،
وقبِلَها ، كما رواه البخاري ( 2990 ) ومسلم ( 1392 ) ، وأهدى له " فروة بن نفاثة
الجذامي " كما رواه مسلم ( 1775 ) ، وقبِل النبي صلى الله عليه وسلم هدية " أكيدر
دومة الجندل " كما رواه البخاري ( 2472 ) - ولم يسمَّ المُهدي - ومسلم - واللفظ له
- ( 2071 ) ، وثمة أحاديث أخرى تبين جواز الهدايا بين المسلمين والكفار أخذاً
وإعطاء ، وانظر جواب السؤال رقم (
11564 ) .
ولعلَّ هذا المال أن يعينها على ابتداء حياة جديدة نظيفة تستغني به عن عمل مختلط أو
استجداء أحد من الناس ، ونرجو الله أن يقبل توبتها وأن يجعل ما أخذته من مال حلالاً
طيباً ، ونوصيها بالإسراع بالتزوج – بعد الاعتداد بحيضة – من مسلم صالح حتى تقطع
على شياطين الإنس والجن تذكيرها بسالف عهدها والوسوسة لها بالرجوع لسابق فعلها ،
ولْتحرص على تعويض ما فاتها من سنوات ضياع بالإكثار من الأعمال الصالحة والحرص على
مصاحبة الطيبات والخيِّرات من النساء ، ولتحرص على طلب العلم وحفظ ما تيسر القرآن
لتعمر قلبها بالخير والهدى ، والله يحفظها ويسددها ويوفقها لما فيه رضاه .
والله أعلم.