هل لي أن أعرف رأي حضرتكم يا شيخ في هذا الموضوع ؟ وهل لي أن أحتج به في المؤتمر الذي أحضره وأعلن هذا الرأي باسمكم ؟
الحمد لله.
يوضح ذلك قوله تعالى :
( خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا ) الزمر/ 6 .
فقوله : ( ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا ) واضح الدلالة على أن خلق آدم كان أولا
، ثم خلقت حواء منه بعد ذلك .
وعبّر بحرف العطف ( ثم ) الذي يدل على الترتيب والعطف الرتبي ؛ ليبين أن ترتيب
الخلق هكذا : آدم أولا ، ثم حواء منه ، ثم سائر البشر منهما .
وأكد ذلك بقوله ( نفس واحدة ) ليدل على أن أصل النوع البشري نفس واحدة ، لا نفسان .
وفي ذلك دليل واضح على رد قول من يقول إن الله تعالى خلقهما معا .
قال الطبري رحمه الله :
" يقول تعالى ذكره : ( خَلَقَكُمْ ) أيها الناس( مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ) يعني من
آدم ( ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا ) يقول : ثم جعل من آدم زوجه حواء ، وذلك أن
الله خلقها من ضِلَع من أضلاعه " انتهى من " تفسير الطبري " (21/254) . وينظر أيضا
: "تفسير الطبري" (7 /515) .
وروى البخاري (3331) ومسلم
(1468) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ فَإِنَّ
الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ
أَعْلَاهُ ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ
أَعْوَجَ ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ ) .
وهذا بيان من السنة الصحيحة أن حواء خلقت من ضلع .
وقد تقدم في جواب السؤال رقم : (9067) أنه يجب على كل مسلم أن يؤمن بأحاديث الرسول
صلى الله عليه وسلم كلها - إن صحت عنه - وألا يرد شيئاً منها ؛ لأن أحاديثه وسنته
صلى الله عليه وسلم وحي من الله ، والذي يرد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد
رد الوحي من الله .
قال النووي رحمه الله في شرحه للحديث المتقدم :
" وَفِيهِ دَلِيل لِمَا يَقُولهُ الْفُقَهَاء أَوْ بَعْضهمْ أَنَّ حَوَّاء خُلِقَتْ
مِنْ ضِلْع آدَم , قَالَ اللَّه تَعَالَى : ( خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْس وَاحِدَة
وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجهَا ) وَبَيَّنَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَنَّهَا خُلِقَتْ مِنْ ضِلْع" .
وهذا من تمام قدرته سبحانه ومطلق مشيئته ؛ ليعلم المخلوق كيف كان أصله ، وما هو
مبدأ خلقه ، وأن الله على كل شيء قدير ، فيعلم ضعفه وقلة حيلته ، ويعلم عظمة ربه في
قدرته ومشيئته ، فحري به بعد ذلك أن يؤمن به ويسلم له .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" خلق سائر الخلق من ذكر وأنثى ، وكان خلق آدم وحواء أعجب من خلق المسيح ؛ فإن حواء
خلقت من ضلع آدم ، وهذا أعجب من خلق المسيح في بطن مريم ، وخلق آدم أعجب من هذا
وهذا وهو أصل خلق حواء " انتهى من "الجواب الصحيح" (4 /54) .
وقال ابن القيم رحمه الله :
" ... ليرى عباده أنه خالق أصناف الحيوان كلها كما يشاء وفي أي لون شاء ، فمنها
المتشابه الخلقة المتناسب الأعضاء ، ومنها المختلف التركيب والشكل والصورة ، كما
يرى عباده قدرته التامة في خلقه لنوع الإنسان على الأقسام الأربعة الدالة على أنه
مخلوق بقدرته ومشيئته ، تابع لها ، فمنه ما خلق من غير أب ولا أم ، وهو أبو النوع
الإنساني ، ومنه ما خلق من ذكر بلا أنثى ، وهي أمهم التي خلقت من ضلع آدم ، ومنه ما
خلق من أنثى بلا ذكر ، وهو المسيح ابن مريم ، ومنه ما خلق من ذكر وأنثى وهو سائر
النوع الإنساني ، فيرى عباده آياته ويتعرف إليهم بآلائه وقدرته وأنه إذا أراد شيئا
أن يقول له كن فيكون " انتهى من "مفتاح دار السعادة" (1 /242) .
وقال الشيخ الشنقيطي رحمه
الله :
" مِن حكم خلقه عيسى من امرأة بغير زوج ليجعل ذلك آية للناس أي علامة دالة على كمال
قدرته وأنه يخلق ما يشاء كيف يشاء ، إن شاء خلقه من أنثى بدون ذكر كما فعل بعيسى
، وإن شاء خلقه من ذكر بدون أنثى كما فعل بحواء ، كما نص على ذلك بقوله : ( وخلق
منها
زوجها ) النساء/1 ، أي خلق من تلك النفس التي هي آدم زوجها حواء ، وإن شاء خلقه
بدون الذكر والأنثى معا كما فعل بآدم ، وإن شاء خلقه من ذكر وأنثى كما فعل بسائر
بني آدم " انتهى من "أضواء البيان" (4 / 259) .
وعلى ذلك جمهور علماء
المسلمين من السلف والخلف : أن الله تعالى خلق آدم أولا ثم خلق منه حواء ، ثم خلق
منهما البشر جميعا :
فعَنْ قَتَادَةَ قال " جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا قَالَ : خُلِقَتْ حَوَّاءُ مِنْ
ضِلْعٍ مِنْ أَضْلاعِهِ لِيَسْكُنْ إِلَيْهَا .
"تفسير ابن أبي حاتم" (5/ 1631)
وعن مجاهد في قوله : ( وخلق منها زوجها ) قال: حواء، من قُصَيري آدم وهو نائم .
"تفسير الطبري" (7 /515)
ثم روى معناه عن ابن عباس والسدي وابن إسحاق .
وقال البغوي رحمه الله :
" خلق الله حواء من ضلع آدم "
"تفسير البغوي" (7 /186)
وانظر : "تفسير ابن أبي حاتم" (12/ 410) ، "التحرير والتنوير" (4 /216) ، "فتح
القدير" (2 /399) .
وقال علماء اللجنة الدائمة :
" ثبت في القرآن والسنة ما يدل على خلق آدم من تراب ، وخلق زوجه حواء منه " انتهى
من "فتاوى اللجنة الدائمة" (1 /15) .
والواجب في هذه المسألة وما
يشبهها : أن يُنَاقش المخالف بالحكمة والموعظة الحسنة ، ويبيَّن له أن الأصل الرجوع
إلى الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة ، وما تلقاه الخلف عنهم ، وأن هذه القضايا الكبرى
لا مجال للاجتهاد فيها ، فمن كان لديه أثارة من علم فليدل بدلوه ، ومن لم يكن عنده
علم في ذلك الباب : وسعه السكوت .
ويراجع للفائدة جواب السؤال رقم : (175317)
.
والله تعالى أعلم .