الحمد لله.
قال ابن بطال رحمه الله : "
احتج بحديث أنس ، وحديث زيد بن ثابت من قال : إن الفخذ ليست بعورة ؛ لأنها لو كانت
عورة يجب سترها ما كشفها النبى صلى الله عليه وسلم يوم خيبر ، ولا تركها مكشوفة
بحضرة أبى بكر وعمر .
فيكون معنى قوله : ( الفخذ عورة ) ، على المقاربة والجوار ، وقد أجمعوا أن من صلى
منكشف القبل والدبر ، أن عليه الإعادة ، واختلفوا فيمن صلى منكشف الفخذ ، فدل أن
حكمه مخالف لحكم القبل والدبر ؛ لاختلاف المعنى فى ذلك .
فإن قال قائل : لم غطى النبى صلى الله عليه وسلم ركبته حين دخل عليه عثمان بن عفان
؟ قيل : قد بَيَّن النبى صلى الله عليه وسلم ، معنى ذلك بقوله : ( ألا أستحي ممن
تستحي منه ملائكة السماء ) " انتهى بتصرف يسير من " شرح صحيح البخاري لابن بطال " (
2 / 33 - 34 ) .
وقال ابن حجر رحمه الله : "
ومما احتجوا به – أي القائلون : بأن الفخذ ليس بعورة - قول أنس رضي الله عنه في هذا
الحديث : ( وإن ركبتي لتمس فخذ نبي الله صلى الله عليه و سلم ) إذ ظاهره أن المس
كان بدون الحائل ، ومس العورة بدون حائل لا يجوز ، وعلى رواية مسلم ومن تابعه في أن
الإزار لم ينكشف بقصد منه صلى الله عليه وسلم ، يمكن الاستدلال على أن الفخذ ليست
بعورة من جهة استمراره على ذلك ؛ لأنه وإن جاز وقوعه من غير قصد ، لكن لو كانت عورة
لم يُقر على ذلك ؛ لمكان عصمته صلى الله عليه و سلم " انتهى من " فتح الباري " ( 1
/ 481 ) – ترقيم الشاملة - .
وقد سئل علماء اللجنة
الدائمة : هل الفخذ عورة ؟
فأجابوا : " ذهب جمهور الفقهاء إلى أن فخذ الرجل عورة ، واستدلوا على ذلك بأحاديث
لا يخلو كل منها عن مقال في سنده من عدم اتصاله ، أو ضعف في بعض الرواة ، لكنها يشد
بعضها بعضا فينهض مجموعها للاحتجاج به على المطلوب ، ومن تلك الأحاديث ما رواه أبو
داود وابن ماجه من حديث علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( لا تبرز فخذك ولا تنظر إلى فخذ حي ولا ميت ) ، وما رواه أحمد والبخاري في تاريخه
من حديث محمد بن جحش قال : ( مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على معمر بن عبد الله
وفخذاه مكشوفتان فقال : يا معمر غط فخذيك فإن الفخذين عورة ) ، ومنها ما رواه مالك
في الموطأ وأحمد وأبو داود والترمذي من حديث جرهد الأسلمي قال : مر رسول الله صلى
الله عليه وسلم ، وعلي بردة ، وقد انكشفت فخذي ، فقال : ( غط فخذك فإن الفخذ عورة )
حسنه الترمذي .
وذهب جماعة إلى أن فخذ الرجل
ليست عورة ، واستدلوا بما رواه أنس رضي الله عنه ( أن النبي صلى الله عليه وسلم حسر
الإزار عن فخذه حتى أنى لأنظر إلى بياض فخذه ) رواه أحمد والبخاري ، وقال ( أي :
البخاري ) حديث أنس أسند ، وحديث جرهد أحوط .
وقول الجمهور أحوط ؛ لما
ذكره البخاري ، ولأن الأحاديث الأولى نص في الموضوع وحديث أنس رضي الله عنه محتمل "
انتهى من " فتاوى اللجنة الدائمة – المجموعة الأولى " ( 6 / 165 – 166 ) .
والحاصل :
أن المسألة محل خلاف ، والاحتياط للدين والخلق والمروءة أن يستر المسلم فخذه ، لا
سيما في هذا الزمان الذي انتشرت فيه الفتن ، ومن ذلك التعلق بالمظهر والصورة .
تنبيه : بعض القائلين بأن
الفخذ ليس بعورة ، يستثنون مسألتين :
الأولى : حال الصلاة ، فلا يجوز كشف الفخذ أثناء الصلاة ؛ لأن في ذلك مخالفة للأمر
بأخذ الزينة عند كل صلاة .
قال شيخ الإسلام رحمه الله : " فإذا قلنا على أحد القولين وهو إحدى الروايتين عن
أحمد : أن العورة السوأتان ، وأن الفخذ ليست بعورة ، فهذا في جواز نظر الرجل إليها
؛ ليس هو في الصلاة والطواف ، فلا يجوز أن يصلي الرجل مكشوف الفخذين ، سواء قيل هما
عورة أو لا ، ولا يطوف عريانا " انتهى من " مجموع الفتاوى " ( 22 / 116 ) .
الثانية : حال الافتتان ،
كأن يكون الكاشف لفخذه محل فتنة ، كالشباب مثلاً .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " والذي يظهر لي أن الفخذ ليس بعورة ، إلا إذا
خيف من بروزه فتنة ، فإنه يجب ستره كأفخاذ الشباب " انتهى من " مجموع فتاوى ابن
عثيمين " ( 12 / 265 ) .
والله أعلم