الحمد لله.
وقال ابن قدامه رحمه الله في
" المغني " (9/401) : " قال أحمد : العهد شديد في عشرة مواضع من كتاب الله : (
وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا ) ، ويتقرب إلى الله تعالى إذا حلف بالعهد وحنث
, ما استطاع ، وعائشة أعتقت أربعين رقبة , ثم تبكي حتى تبل خمارها , وتقول :
واعهداه " انتهى .
ثانياً :
العهد حكمه حكم النذر إذا قصد به المكلف إلزام نفسه بطاعة وقربة ، كأن يقول : أعاهد
الله أن أصلي ركعتين ، أو أعاهد الله أن أختم القرآن كل شهر .
وأما إذا كان المقصود بالعهد
ليس القربة والطاعة ، وإنما المقصود به المنع أو الحث ، فهذا حكمه حكم اليمين ، كأن
يقول : أعاهد الله أن أختم القرآن كل شهر إن كلمت فلانا ، فهنا القربة ، وهي ختم
القرآن كل شهر ليست مقصوده ، وإنما المقصود من ذلك حمل الإنسان نفسه على عدم الكلام
.
قال أبو بكر الجصاص رحمه
الله - عند قوله تعالى : ( وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ
فَضْلِهِ .. الآية ) - : " فيه الدلالة على أن من نذر نذرا فيه قربة ، لزمه الوفاء
به ؛ لأن العهد هو النذر والإيجاب " انتهى من " أحكام القرآن " (4/350) .
وقال شيخ الإسلام رحمه الله : " إذا قال : أعاهد الله أني أحج العام ، فهو نذر وعهد
ويمين ، وإن قال : لا أكلم زيدا ، فيمين وعهد ، لا نذر ، فالأيمان إن تضمنت معنى
النذر ، وهو أن يلتزم لله قربة : لزمه الوفاء بها " انتهى من " المستدرك على مجموع
الفتاوى " (5/144) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه
الله : " وينعقد – أي : النذر - بالقول ، وليس له صيغة معينة ، بل كل ما دل على
الالتزام فهو نذر ، سواء قال : لله علي عهد ، أو لله علي نذر ، أو ما أشبه ذلك مما
يدل على الالتزام ، مثل: لله علي أن أفعل كذا ، وإن لم يقل : نذر ، أو عهد " انتهى
من " الشرح الممتع " (15/207) .
وللفائدة ينظر جواب السؤال
رقم : (20419) ،
وجواب السؤال رقم : (139465)
.
فعلى هذا ، العهد الذي
قطعتيه على نفسكِ ، إنما هو من باب نذر الطاعة ، ونذر الطاعة يجب الوفاء به ؛ لقوله
عليه الصلاة والسلام : ( مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ ) رواه
البخاري (6696) .
فإذا ثبت أنك لم تختمي القرآن في بعض الشهور ، فيلزمك قضاء تلك الختمات ، ويلزمك مع
القضاء كفارة يمين عن كل شهر ؛ لأن النذر إذا فات عن وقته المحدد ، ففيه كفارة يمين
.
قال المرداوي رحمه الله في
"الإنصاف" (11/141) : " وإن نذر صوم شهر معين فلم يصمه لغير عذر ، فعليه القضاء
وكفارة يمين - بلا نزاع - وإن لم يصمه لعذر ، فعليه القضاء ـ بلا نزاع ـ ، وفي
الكفارة روايتان ( يعني عن الإمام أحمد ) والمذهب : أن عليه الكفارة أيضاً " انتهى
بتصرف .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه
الله فيمن " نذر أن يصوم عشرة أيام من شهر ما ، ثم لم يصمها في ذلك الشهر وصامها في
الشهر الثاني ، فنقول له : إن عليك كفارة يمين ، لأن نذره تضمن شيئين : تضمن صيام
عشرة أيام ، وأن تكون في هذا الشهر المعين ، فلما فاته أن تكون في هذا الشهر المعين
لزمته كفارة اليمين لفوات الصفة ، وأما الأيام فقد صامها " انتهى من " مجموع فتاوى
ابن عثيمين" (19/ 377) .
والكفارة واجبة في مالكِ ،
فإن لم يكن لكِ مال ، فإنه لا يلزمك أخذ ثمن الكفارة من أهلك ، لكن يجوز لك أن
تأخذيها منهم ، لو بذلوها لك ؛ فإن لم يبذلوا الكفارة ، ولم يكن عندك مال خاص بك ؛
كفاك أن تصومي ثلاثة أيام .
رابعاً :
يؤخذ من قولك : ( كل شهر مرة ) أمران :
الأول : أن النذر مستمر ؛ لأن " كل شهر " تفيد الدوام والاستمرارية ، فليزم الوفاء
بذلك النذر مدى الحياة .
الثاني : أن الشهر هو الزمان والظرف لكل ختمه ، ويحسب ذلك عليك من حين وقع منك
النذر ؛ فيجب عليك أن تبدئي في قراءتك ، بحيث لا يمضي عليك شهر إلا وقد انتهيت من
الختمة ؛ وهكذا : يجب عليك في كل شهر أن تقرئي القرآن مرة واحدة ، على الأقل ؛ فإن
قرأت أكثر من ذلك ، فلا حرج عليك .
والله أعلم .