لماذا لا يستشفع الناس بمحمد صلى الله عليه وسلم مباشرة لموقف الحساب وقد علموا أن الأنبياء لن يشفعوا ؟

07-01-2014

السؤال 187506


ورد في الحديث الشريف أن الناس يوم المحشر يدورون من نبي إلى آخر بحثاً عمن يشفع لهم ببدء الحساب ، فيبدؤون بآدم انتهاءً إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم . السؤال هو : طالما أننا قد علمنا هذه القصة فلماذا لا نتوجه إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم مباشرة بدلاً من الذهاب إلى آدم ، ثم من يليه ؟ أم أن الحال الوارد في هذه القصة ينطبق على من لم يعلم دون من علم ؟

الجواب

الحمد لله.


أولا :
يوم القيامة يوم عظيم ، تقع فيه من الأهوال الكبيرة التي وصفها الله عز وجل بقوله : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ . يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ) الحج/1-2.
ففي مثل تلك السكرات المهولة ، غالبا ما يغفل الناس عما سمعوه من قبل ، ولا يكادون يستذكرون علما سابقا ، فقد شغلهم حالهم عن كل ما مضى من معارف ، وأنستهم مصيبتهم كل شيء سوى التخلص مما هم فيه ، وإذا كانت الأرحام تتقطع ذلك اليوم ، ( يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ . وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ . وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ . لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ) عبس/34-37. فكيف سيتذكر الناس حينها حديثا مرفوعا سمعوه يوما من أحد العلماء ! لا شك أن ذلك احتمال بعيد . وقد روى البخاري رحمه الله في " صحيحه " (1241) بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما – في حادثة وفاة نبينا صلى الله عليه وسلم – : " أن أبا بكر رضي الله عنه تَشَهَّدَ فَمَالَ إِلَيْهِ النَّاسُ ، وَتَرَكُوا عُمَرَ ، فَقَالَ : ( أَمَّا بَعْدُ ، فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَإِنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ مَاتَ ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ ، فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ ) [آل عمران: 144] إِلَى الشَّاكِرِينَ [آل عمران: 144] " وَاللَّهِ لَكَأَنَّ النَّاسَ لَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَهَا حَتَّى تَلَاهَا أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَتَلَقَّاهَا مِنْهُ النَّاسُ ، فَمَا يُسْمَعُ بَشَرٌ إِلَّا يَتْلُوهَا ) .
فانظر كيف أن عِظَم المصاب كان سببا في الذهول عن آية في كتاب الله تعالى ، وموقف الحشر موقف عظيم جدير أن يذهل بسببه المرء عن كل شيء .
يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" فيه أنهم يغطَّى عنهم بعض ما علموه في الدنيا ؛ لأن في السائلين من سمع هذا الحديث ، ومع ذلك فلا يستحضر أحد منهم أن ذلك المقام يختص به نبينا صلى الله عليه وسلم ، إذ لو استحضروا ذلك لسألوه من أول وهلة ، ولما احتاجوا إلى التردد من نبي إلى نبي ، ولعل الله تعالى أنساهم ذلك للحكمة التي تترتب عليه من إظهار فضل نبينا صلى الله عليه وسلم " .
انتهى من " فتح الباري " (11/441) .
ثانيا :
ومن المؤكد أيضا أنه ليس جميع المسلمين يعلمون هذا الحديث الشريف ، الذي يرويه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( أَنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ القِيَامَةِ . وَهَلْ تَدْرُونَ مِمَّ ذَلِكَ ؟ يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ ، يُسْمِعُهُمُ الدَّاعِي وَيَنْفُذُهُمُ البَصَرُ ، وَتَدْنُو الشَّمْسُ ، فَيَبْلُغُ النَّاسَ مِنَ الغَمِّ وَالكَرْبِ مَا لاَ يُطِيقُونَ وَلاَ يَحْتَمِلُونَ ، فَيَقُولُ النَّاسُ : أَلاَ تَرَوْنَ مَا قَدْ بَلَغَكُمْ ، أَلاَ تَنْظُرُونَ مَنْ يَشْفَعُ لَكُمْ إِلَى رَبِّكُمْ ؟ فَيَقُولُ بَعْضُ النَّاسِ لِبَعْضٍ : عَلَيْكُمْ بِآدَمَ ، فَيَأْتُونَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ فَيَقُولُونَ لَهُ : أَنْتَ أَبُو البَشَرِ ، خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ ، وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ ، وَأَمَرَ المَلاَئِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ ، أَلاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ ، أَلاَ تَرَى إِلَى مَا قَدْ بَلَغَنَا ؟ فَيَقُولُ آدَمُ : إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ اليَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ ، وَإِنَّهُ قَدْ نَهَانِي عَنِ الشَّجَرَةِ فَعَصَيْتُهُ ، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي ، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي ، اذْهَبُوا إِلَى نُوحٍ .
فَيَأْتُونَ نُوحًا فَيَقُولُونَ : يَا نُوحُ ، إِنَّكَ أَنْتَ أَوَّلُ الرُّسُلِ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ ، وَقَدْ سَمَّاكَ اللَّهُ عَبْدًا شَكُورًا ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ ، أَلاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ ؟ فَيَقُولُ : إِنَّ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ قَدْ غَضِبَ اليَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ ، وَإِنَّهُ قَدْ كَانَتْ لِي دَعْوَةٌ دَعَوْتُهَا عَلَى قَوْمِي ، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي ، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي ، اذْهَبُوا إِلَى إِبْرَاهِيمَ .
فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ فَيَقُولُونَ : يَا إِبْرَاهِيمُ أَنْتَ نَبِيُّ اللَّهِ وَخَلِيلُهُ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ ، أَلاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ ؟ فَيَقُولُ لَهُمْ : إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ اليَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ ، وَإِنِّي قَدْ كُنْتُ كَذَبْتُ ثَلاَثَ كَذِبَاتٍ ، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي ، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي ، اذْهَبُوا إِلَى مُوسَى .
فَيَأْتُونَ مُوسَى فَيَقُولُونَ : يَا مُوسَى أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ ، فَضَّلَكَ اللَّهُ بِرِسَالَتِهِ وَبِكَلاَمِهِ عَلَى النَّاسِ ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ ، أَلاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ ؟ فَيَقُولُ : إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ اليَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ ، وَإِنِّي قَدْ قَتَلْتُ نَفْسًا لَمْ أُومَرْ بِقَتْلِهَا ، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي ، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي ، اذْهَبُوا إِلَى عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ .
فَيَأْتُونَ عِيسَى ، فَيَقُولُونَ : يَا عِيسَى أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ، وَكَلَّمْتَ النَّاسَ فِي المَهْدِ صَبِيًّا ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ أَلاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ ؟ فَيَقُولُ عِيسَى : إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ اليَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ قَطُّ ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ ، وَلَمْ يَذْكُرْ ذَنْبًا ، نَفْسِي نَفْسِي نَفْسِي اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي اذْهَبُوا إِلَى مُحَمَّدٍ .
فَيَأْتُونَ مُحَمَّدًا فَيَقُولُونَ : يَا مُحَمَّدُ أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ وَخَاتِمُ الأَنْبِيَاءِ ، وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ ، أَلاَ تَرَى إِلَى مَا نَحْنُ فِيهِ ، فَأَنْطَلِقُ فَآتِي تَحْتَ العَرْشِ ، فَأَقَعُ سَاجِدًا لِرَبِّي عَزَّ وَجَلَّ ، ثُمَّ يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ مَحَامِدِهِ وَحُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ شَيْئًا ، لَمْ يَفْتَحْهُ عَلَى أَحَدٍ قَبْلِي ، ثُمَّ يُقَالُ : يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ ، سَلْ تُعْطَهْ ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ فَأَرْفَعُ رَأْسِي ، فَأَقُولُ : أُمَّتِي يَا رَبِّ ، أُمَّتِي يَا رَبِّ ، أُمَّتِي يَا رَبِّ . فَيُقَالُ : يَا مُحَمَّدُ أَدْخِلْ مِنْ أُمَّتِكَ مَنْ لاَ حِسَابَ عَلَيْهِمْ مِنَ البَابِ الأَيْمَنِ مِنْ أَبْوَابِ الجَنَّةِ ، وَهُمْ شُرَكَاءُ النَّاسِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الأَبْوَابِ ، ثُمَّ قَالَ : وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، إِنَّ مَا بَيْنَ المِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الجَنَّةِ ، كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَحِمْيَرَ - أَوْ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَبُصْرَى ) رواه البخاري (4712) ، ومسلم (194) .

بل القليل من الناس هم من يعرفه أو يحفظه ، أما عامة الناس فغالبا لا يستحضرون مثل هذه الأحاديث الطويلة ؛ لأنها بطولها تحول دون تداولها على الألسنة وحفظها .
كما أننا لا ندري إن كان الرسل والأنبياء السابقون قد أخبروا أقوامهم هذا الخبر أم لا ، وأتباع جميع الأنبياء سيشاركون أمة محمد صلى الله عليه وسلم في هذا الموقف العظيم . فلن يكونوا على علم بقول كل نبي كلمته المشهورة ( نفسي نفسي نفسي )، ولذلك سيسلكون في سبيل طلب الشفاعة كل طريق ، وسيطرقون كل أبواب أولي العزم من الرسل .
بل قال العلماء وشراح الحديث إن هذه الشفاعة هي لبدء الحساب فقط ، فسيكون في ذلك الجمع الكبير من الأمم الكافرة أو من لم تبلغهم دعوة نبي ونحوهم ، وهو ظاهر ما ورد في بدايات الحديث ، يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله : " ظهر منه أنه صلى الله عليه وسلم أول ما يشفع ليقضي بين الخلق " انتهى من " فتح الباري " (11/438) .
فمن أين لجميع البشر الاطلاع على هذا الخبر الصحيح المروي عن نبينا عليه الصلاة والسلام ؛ فضلا عن تصديقه والإيمان به ، وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وأتباعه : هم الأقلون عددا يوم القيامة ؟!

والأهم من ذلك كله أن يعد العبد المسلم لذلك اليوم الحق ، وأن يشتغل فيما ينفعه من أمور الدنيا والدين ، ولا ينشغل بالخيال في تفاصيل ما يقع في عرصات يوم القيامة ، مما لم يأت به نص ولا أثر ، فذلك عالم لا ندري كنهه ولم نتبين حقيقته إلا من خلال الوقوف على الأخبار الصحيحة ، من غير قياس ولا استحسان .
والله أعلم .

الإيمان باليوم الآخر وأشراط الساعة الشفاعة
عرض في موقع إسلام سؤال وجواب