سمعت كثيراً من المشايخ يتحدثون عن هذه الراوية لكني لم أجد لها دليلاً ، وهي رواية : " أن أبا بكر رضي الله عنه لا يقف للحساب ، وأنه يدخل الجنة مباشرة ، فهل هذه الرواية صحيحة ؟ وما الحديث الذي وردت في سياقه ؟ وهل هناك حديث يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم : " إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أول من يأخذ كتابه بيمينه يوم القيامة ، فيندهش الصحابة أن لم يكن أبو بكر! فيقول النبي صلى الله عليه وسلم : ومن أخبركم أن له كتابا ؟!
الحمد لله.
أولا :
روى البخاري (3671) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي – وهو عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه - : " أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ : أَبُو بَكْرٍ ، قُلْتُ ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ ثُمَّ عُمَرُ " .
وروى الإمام أحمد (835) عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ سَمِعْتُ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ : " أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا ؟ أَبُو بَكْرٍ ، ثُمَّ قَالَ : أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ ؟ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " . وقال محققو المسند " إسناده حسن " .
واتفق أهل السنة والجماعة على أن خير هذه الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم هو أبو بكر الصديق ، ثم عمر ، ثم عثمان ، ثم علي رضي الله عنهم جميعا .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" وَيُقِرُّونَ – يعني أهل السنة - بِمَا تَوَاتَرَ بِهِ النَّقْلُ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّ : خَيْرَ هَذِهِ الْأُمَّةِ بَعْدَ نَبِيِّهَا : أَبُو بَكْرٍ ، ثُمَّ عُمَرُ ، وَيُثَلِّثُونَ بِعُثْمَانِ ، وَيُرَبِّعُونَ بِعَلِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ؛ كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْآثَارُ " .
انتهى من "العقيدة الواسطية" (ص117) .
وراجع جواب السؤال رقم : (34577) .
ثانيا :
أما الحديث الذي ورد بشأن أبي بكر أنه يدخل الجنة دون أن يقف للحساب فهو حديث واهٍ لا يصح ، رواه أبو نعيم في "تاريخ أصبهان" (2/370) ومن طريقه الخطيب في "المتفق والمفترق" (2/38) من طريق إبراهيم بن أبي يحيى قال : حدّثنا أبو عمر الضرير عن حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يا عائشة كلّ الناس يحاسبون يوم القيامة إلاّ أبو بكر ) .
وابن أبي يحيى هو المكتب ، رجل مجهول لا يعرف ، ذكره أبو نعيم في " أخبار أصبهان" ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا ، وخبره منكر ؛ إذ كيف يتفرد بهذا الإسناد النظيف دون أن يتابعه عليه أحد ؟! ومثل هذا مما يعرف به نكارة الخبر ووهاؤه .
فمن أسباب وقوع النكارة في الأحاديث أن يتفرد به مجهول لا يعرف عند أهل الحديث، فإذا انفرد بالحديث راوٍ مجهول أنكر أهل العلم حديثه من أجل تفرده .
راجع : "منهج الإمام أحمد في إعلال الأحاديث" (2/ 869) ، "الحديث المنكر عند الإمام أبي حاتم الرازي" – دراسة تطبيقية (ص13) .
وروى ابن الجوزي في "العلل المتناهية" (1/190) من طريق داود بن صغير قال حدثني كثير النواء عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( قلت لجبريل حين أسري بي إلى السماء : يا جبريل أعلى أمتي حساب ؟ قال : كل أمتك عليها حساب ما خلا أبا بكر الصديق ، فإذا كان يوم القيامة قيل له يا أبا بكر ادخل الجنة . قال ما أدخل حتى أدخل معي من كان يحبني في الدنيا ) .
وقال ابن الجوزي عقبه :
" هذا حديث لا يصح ، وداود بن صغير مجروح قال الخطيب كان ضعيفا ، وقال الدارقطني منكر الحديث ، وأما كثير النواء فقال النسائي ضعيف " انتهى .
وقال الذهبي في "الميزان" (3/500) في ترجمة محمد بن جعفر البغدادي :
" عن داود بن صغير بخبر كذب ، عن كثير النواء ، عن أنس - مرفوعا: يا جبرائيل، هل على أمتى حساب ؟ قال: نعم، ما خلا أبا بكر ... ثم إن داود واه " . انتهى .
وذكره الشوكاني في "الفوائد المجموعة" (ص 35 ) وقال : موضوع .
ثالثا :
أما الحديث الآخر الوارد في أن عمر أول من يأخذ كتابه بيمينه : فرواه الثعلبي في "تفسيره" (2358) ، وابن عساكر في "تاريخه" (30/154) ، والخطيب في "تاريخه" (11/202) ، وابن الجوزي في "الموضوعات" (1/320) من طريق عمر بن إبراهيم بن خالد حدّثنا مرحوم بن أرطبان ابن عم عبد الله بن عون قال : حدّثنا عاصم الأحول عن زيد بن ثابت قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أوّل مَنْ يُعطى كتابه بيمينه من هذه الأمّة عمر بن الخطّاب ، وله شعاع كشعاع الشمس ) فقيل له : فأين أبو بكر؟
قال : ( هيهات هيهات زفّته الملائكة إلى الجنّة ) .
وقال ابن الجوزي عقبه : " هذا حديث لا يصح ، والمتهم به عمر ويعرف بالكردي ".
قال الدارقطني: كان كذابا يضع الحديث " انتهى .
وذكره الشوكاني في "الفوائد المجموعة" (ص 336) وقال :
" والمتهم به عمر بن إبراهيم بن خالد الكردي " .
وعمر هذا : قال الدارقطني كذاب خبيث ، وقال الخطيب : غير ثقة ، وقال أيضا : يروي المناكير عن الإثبات ، وقال ابن عقدة : ضعيف .
"لسان الميزان" (4/ 280)
وقد روى ابن أبي عاصم في "كتاب الأوائل" (82) من طريق حَبِيب بْن زُرَيْقٍ، ثنا ابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَمِّهِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَن ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: " أَوَّلُ مَنْ يُعْطَى كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ " وهذا حديث موضوع ، آفته حبيب بن زريق ، قال أبو حاتم: روى عن ابن أخي الزهري أحاديث موضوعة .
وقال أبو داود : كان من أكذب الناس.
وقال ابن عدى : أحاديثه كلها موضوعة.
"ميزان الاعتدال" (1 /452) .
أما قوله عن أبي بكر رضي الله عنه : " ومن أخبركم أن له كتابا ؟ " فلا نعلم له أصلا في شيء من الروايات .
وينظر جواب السؤال رقم (174528) .
والله تعالى أعلم .