الحمد لله.
والخل قد يصنع من غير الخمر , جاء في " الإنصاف " للمرداوي (1 / 320) " الخل المباح : أن يصب على العنب أو العصير خل قبل غليانه حتى لا يغلي نص عليه في رواية الجماعة " انتهى , وفي "مطالب أولي النهى" (1 / 230) " والخل المباح : أن يصب على العنب أو العصير خل قبل غليانه ، وقبل أن تمضي عليه ثلاثة أيام بلياليهن حتى لا يغلي ، نقله الجماعة عن أحمد " انتهى.
وقد نص أهل العلم على أن الخل المقصود في الحديث السابق هو الذي لم يتخذ من الخمر , جاء في " تحفة الأحوذي " (4 / 399) وأما حديث " نعم الإدام الخل " , فالمراد بالخل: الخل الذي لم يتخذ من الخمر جمعا بين الأحاديث " انتهى.
وإذا كان الخل قد صنع من غير الخمر ، فإنه حلال ، بلا خلاف , وهذا ما نص عليه علماء اللجنة الدائمة حيث قالوا " إذا كان الخل ليس أصله الخمر فلا إشكال في حله ؛ لأن كل عصير حمض يسمى خلا " انتهى من " فتاوى اللجنة الدائمة " الفتوى رقم : (3429).
وإن تخللت الخمر بنفسها بأن صارت خلا فإنها تصير طاهرة مباحة .
جاء في " الإنصاف " للمرداوي (1 / 319) " الصحيح من المذهب : أن الخمرة إذا انقلبت
بنفسها تطهر مطلقا ، نص عليه , وعليه الجمهور , وجزم به كثير منهم " انتهى.
وأما تخليل الخمر ومعالجتها ، بحيث تصير خلا ، فقد وقع فيه نزاع بين أهل العلم ,
وقد حكى شيخ الإسلام ابن تيمية هذا الخلاف بقوله " أما التخليل ففيه نزاع ، قيل
يجوز تخليلها كما يحكى عن أبي حنيفة ، وقيل: لا يجوز ؛ لكن إذا خللت طهرت كما يحكى
عن مالك , وقيل يجوز بنقلها من الشمس إلى الظل وكشف الغطاء عنها ونحو ذلك ؛ دون أن
يلقى فيها شيء كما هو وجه في مذهب الشافعي وأحمد , وقيل لا يجوز بحال , كما يقوله
من يقوله من أصحاب الشافعي وأحمد , وهذا هو الصحيح ؛ فإنه قد ثبت عن النبي صلى الله
عليه وسلم : " أنه سئل عن خمر ليتامى فأمر بإراقتها ، فقيل له : إنهم فقراء فقال :
( سيغنيهم الله من فضله ) ، فلما أمر بإراقتها ونهى عن تخليلها وجبت طاعته فيما أمر
به ونهى عنه ، فيجب أن تراق الخمرة ولا تخلل , هذا مع كونهم كانوا يتامى ومع كون
تلك الخمرة كانت متخذة قبل التحريم فلم يكونوا عصاة " انتهى من " مجموع الفتاوى "
(21 / 483) .
وعليه : فلا يجوز تخليل الخمر لما دل على ذلك من الأحاديث الصحيحة .
واختار الشيخ ابن عثيمين رحمه الله أنه : إن خلل الخمر من يعتقد حلها كأهل الذمة ،
أو خللها من يرى جواز تخليلها من المسلمين فحينئذ تصير خلا يباح استعماله .
قال رحمه الله :
" المشهور من المذهب : أنها إِذا خُلِّلَتْ لا تطهُر ، ولو زالت شدَّتُها المسكرة
... لأن زوال الإِسكار كان بفعل شيء محرَّم ، فلم يترتَّب عليه أثره .
وقال بعض العلماء : إِنها تطهُر ، وتحلُّ بذلك ، مع كون الفعل حراماً ، وعلّلوا :
أنَّ عِلَّة النَّجاسة الإسكار ، والإِسكار قد زال ، فتكون حلالاً .
وقال آخرون : إِنْ خلَّلها مَنْ يعتقدُ حِلَّ الخمر كأهل الكتاب ؛ اليهود
والنَّصارى ، حَلَّت ، وصارت طاهرة ، وإِن خلَّلها مَنْ لا تَحِلُّ له فهي حرام
نجسة , وهو أقرب الأقوال ، وعلى هذا يكون الخلُّ الآتي من اليهود والنَّصارى حلالاً
طاهراً ، لأنهم فعلوا ذلك على وجه يعتقدون حِلَّه ". انتهى من " الشرح الممتع"
(1/433) بتصرف .
وقال أيضاً : " لكن لو خلَّله من يعتقد حِلَّ التخليل ، من مسلم أو كافر ، فهل يحل؟
الصحيح أنه يحل ؛ لأن هذا انقلب خلاًّ على وجه مباح ، فصار مباحاً ، وعلى هذا فالخل
الوارد من بلاد الكفار يكون حلالاً للمسلمين ؛ وإن كان مخللاً بفعل آدمي ، لأنه
مخلل بفعل آدمي يعتقد تحليله ". انتهى من " الشرح الممتع" (10 / 182) .
والله أعلم .