الأولى ترك التسمي بـ " السلفية " إذا أدى الاسم إلى التشويه والنفور
هناك نفوذ كبير في أستراليا ، وخاصة في مدينة سيدني ، لجماعة التبليغ والدعوة ، ويعتقد الناس أن كلمة سلفي سيئة جدا ، وإذا قلتها لبعض الناس يفرون من أمامك حال سماعها .
فكيف يمكن التعامل مع هذه المشكلة ؟
يتبادل الناس التهنئة بالعيد بعد مضي أسبوعين عليه ، فهل يصح هذا ؟
حيث إن عيد الأضحى يوم واحد ، فماذا نفعل في مثل هذا الأمر ؟
الجواب
الحمد لله.
الحكمة في الدعوة إلى الله تعالى والتعامل مع الناس تعني أن تعرف المقامات والظروف
، وتجعل لكل مقام مقاله المناسب ، وتصرفه اللائق به ، كي يؤدي أفضل النتائج وأقومها
سبيلا ، قال تعالى : ( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ
الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ
بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ) النحل/125.
والذي نراه – حسب ما ورد في سؤالك – أن الحكمة في مثل حالتك ترك الانتساب اللفظي
إلى " السلفية " لأسباب موضوعية كثيرة ، منها :
أولا :
أن العبرة بالمضمون والمحتوى ، وليس بالأسماء والألفاظ ، وقد قال صلى الله عليه
وسلم : ( إِنَّ اللهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ ، وَلَكِنْ
يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ ) رواه مسلم (2564)، فما دمت تقتدي
بالسلف الصالح في اعتقادك وعملك وخلقك : فهذا كاف ، ولا يشترط أن تخبر عن نفسك أنك
" سلفي " بصريح العبارة .
ثانيا :
الاكتفاء بوصف الإسلام أولى وأفضل ، فهو الاسم الذي سمانا الله عز وجل به ، فقد قال
الله سبحانه : ( هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا ) الحج/78
؛ وفيما سمانا الله عز وجل به : الكفاية والمقنع .
يقول الحافظ ابن كثير رحمه الله :
" عن ابن عباس في قوله : ( هو سماكم المسلمين من قبل ) قال : اللهُ عز وجل . وكذا
قال مجاهد ، وعطاء ، والضحاك ، والسدي ، وقتادة ، ومقاتل بن حيان . قال مجاهد :
الله سماكم المسلمين من قبل في الكتب المتقدمة وفي الذكر . ( وفي هذا ) يعني :
القرآن ، وكذا قال غيره . وهذا هو الصواب " انتهى من " تفسير القرآن العظيم " (5/
456) .
وقد أمرنا عليه الصلاة والسلام أن نتسمى بما دعانا الله عز وجل به ، وننبذ كل دعوة
أخرى يتعصب الناس فيها لوصف أخص من وصف " الإسلام " ، الذي يحمل في طياته جميع
المعاني الشرعية التي يحبها الله من عباده ، فالأوصاف الخاصة لا تنفك عن تضييقٍ
لمفهوم الإسلام الشامل الواسع ، وتأطير له ، والمسلم لا يرضى أن يختزل انتسابه إلى
جميع مفردات هذا الدين العظيم ، بانتسابه إلى مفردات محدودة ضيقة ، يقول النبي صلى
الله عليه وسلم : ( فَادْعُوا بِدَعْوَى اللهِ الَّذِي سَمَّاكُمُ : الْمُسْلِمِينَ
، الْمُؤْمِنِينَ ، عِبَادَ اللَّهِ ) رواه الترمذي (رقم/2863) وقال : حسن صحيح
غريب، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ".
وقد قررنا هذا الكلام في جواب سابق برقم : (174627)
وقلنا هناك إنه إذا احتيج إلى انتساب آخر داخل إطار " الإسلام " كالانتساب إلى أهل
السنة مثلا ، فلا بأس ولا حرج . ولكن في حالة السائل فإن الانتساب الاسمي إلى "
السلفية " لا حاجة إليه ، بل ربما كان فيه ضرر على الدعوة ، وتبليغ الكلمة ،
فالأولى تركه حينئذ ، والاكتفاء بالاسم الجامع للمؤمنين .
ثالثا :
الانتساب الاسمي إلى " السلفية " ليس واجبا من واجبات الدين ، ولا ركنا من أركانه ،
ومن ترك ذلك فلا إثم عليه ، بل لم يترك فضيلة أو سنة نبوية شريفة ، لذلك لا تثريب
عليه ولا حرج ، وإذا كان العلماء قالوا : إن الأولى ترك المستحبات إذا كانت ستؤدي
إلى نفور المدعوين ، كما ترك النبي صلى الله عليه وسلم بناء الكعبة على قواعد
إبراهيم خشية الفتنة على قلوب حديثي الإسلام ، فمن باب أولى أن يترك طالب العلم
الانتساب إلى أسماء موهمة في بعض الزمان أو المكان .
رابعا :
هذا فضلا عن أن الانتساب الاسمي إلى " السلفية " شابَهُ الكثير من التشويه والتحريف
، واختلطت فيه بعض الممارسات الخاطئة ، والمعاني الباطلة ، حتى غدا هذا الاسم علما
على جهات تكفيرية غالية ، وعلى جهات أخرى مقابلة لها في الغلو السلبي أيضا ، الأمر
الذي لم يعد بالإمكان معه – في الوقت الحاضر - تغيير الصورة النمطية السلبية إلا
بعد توقف الآلات الإعلامية الهائلة عن الضخ في اتجاه التشويه ، وبعد توقف كثير من
هؤلاء المنتسبين إلى " السلفية " عن أعمالهم الجاهلة ، أو تمييز السلفية الحقة التي
نقصد ، عن غيرها من التوجهات التي شملها ذلك الإطار العام للسلفية المعاصرة .
فمن كان في مثل البلاد التي تعيشون فيها ، فالأفضل لظرفه أن يترك كل ما يفرق الكلمة
، ويشتت الجمع ، ويسبب النفرة ، أو يجلب التهمة : من الأسماء والألفاظ والمظاهر غير
الواجبة شرعا ، ويلتفت إلى المقاصد والمعاني .
يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" السلفية هي اتباع منهج النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ؛ لأنهم هم الذين سلفونا
وتقدموا علينا ، فاتباعهم هو السلفية ، وأما اتخاذ السلفية كمنهج خاص ينفرد به
الإنسان ، ويضلل من خالفه من المسلمين ولو كانوا على حق ، واتخاذ السلفية كمنهجٍ
حزبي ، فلا شك أن هذا خلاف السلفية ... بعض من انتهج السلفية في عصرنا هذا : صار
يضلل كل من خالفه ولو كان الحق معه ، واتخذها بعضهم منهجاً حزبياً ، كمنهج الأحزاب
الأخرى التي تنتسب إلى دين الإسلام ، وهذا هو الذي يُنكر ، ولا يمكن إقراره .
فـالسلفية بمعنى أن تكون حزباً خاصاً له مميزاته ، ويضلل أفراده من سواهم : فهؤلاء
ليسوا من السلفية في شيء .
وأما السلفية : اتباع منهج السلف عقيدة وقولاً وعملاً وائتلافاً واختلافاً واتفاقاً
وتراحماً وتواداً ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( مثل المؤمنين في توادهم
وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى
والسهر ) ؛ فهذه هي السلفية الحقة " انتهى باختصار من " لقاء الباب المفتوح " (57/
15، بترقيم الشاملة آليا) .
والله أعلم .