الحمد لله.
نسأل الله تعالى أن يشفيك ويعافيك وأن يكتب لك أجرا جزيلا على ما ابتلاك به من مرض
، وعلى قدر تألمنا لما أصابك فإننا سعداء أنك تسأل عن الحكم الشرعي لما تريد فعله ،
وهذا يدل على استسلامك للحكم الشرعي وعلى تحقيقك للعبودية لله رب العالَمين .
واعلم – أخانا السائل – أن الدنيا محط الابتلاءات والامتحانات ، وأن الآخرة هي دار
الثواب لمن ثبت على دينه في الدنيا وتمسَّك بشرع ربِّه تعالى ففعل ما أمره الله
تعالى به وانتهى عما نهاه عنه .
وهذه الدنيا فيها السعادة والفرح والغنى والولد والصحة والعافية وفيها عكس ذلك كله
، وكل ذلك ابتلاء من الله تعالى كما قال عز وجل : ( وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ
وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ) الأنبياء/ 35 ، وليس من علامة رضى
الله تعالى عن العبد أن يهبه الصحة والعافية والولد ولا أنه إذا سخط على عبده سلبه
ذلك كله أو بعضه ، قال تعالى : ( فَأَمَّا الْأِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ
رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ . وَأَمَّا إِذَا
مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ . كَلَّا ...
) الفجر/ 15 – 17 .
ولا يمنعنا هذا من وصيتك بالبحث الدائم عن علاج لمرضك ؛ فإن الله تعالى لم يقدِّر
داء وإلا وجعل له دواءً .
عَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ رضي الله عنه قَالَ : " قَالَتْ الْأَعْرَابُ : يَا
رَسُولَ اللَّهِ ! أَلَا نَتَدَاوَى ؟ قَالَ : ( نَعَمْ ، يَا عِبَادَ اللَّهِ
تَدَاوَوْا ، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلَّا وَضَعَ لَهُ شِفَاءً - أَوْ
قَالَ دَوَاءً - إِلَّا دَاءً وَاحِدًا ) قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا هُوَ
؟ قَالَ : ( الْهَرَمُ ) . رواه الترمذي ( 2038 ) وصححه ، وصححه الألباني في " صحيح
الترمذي " .
ويجب عليك أن تسلِّم أن الله تعالى لم يبتلك بالمرض إلا لحكمة بالغة ، وأن الله
أرحم بعباده من الوالدة بولدها ، ويكفيك أن تعلم ما لك عند الله تعالى من ثواب
الاستكانة والتضرع وعظيم الأجور على الأدعية التي دعوتها إياه ، مع ما لك من عظيم
الأجور على الصبر والاحتساب .
عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : ( يَوَدُّ أَهْلُ الْعَافِيَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ يُعْطَى
أَهْلُ الْبَلَاءِ الثَّوَابَ لَوْ أَنَّ جُلُودَهُمْ كَانَتْ قُرِضَتْ فِي
الدُّنْيَا بِالْمَقَارِيضِ ) رواه الترمذي ( 2402 ) وحسَّنه الألباني في " صحيح
الترمذي " .
فلا يضيع ذلك عليه وقد وقع الابتلاء ولا راد له إلا هو عز وجل ، واحذر أشد الحذر من
أن تضيع آخرتك بفعل الانتحار أيّاً كان نوعه وصفته ؛ فإنه محرَّم كلُّه ، وليس ثمة
استثناء لبعض أنواعه أو صفاته ، فلا يجوز لمن أصيب باكتئاب أن ينتحر ولا يحل لمن
أصيب بجراحات مؤلمة أن ينتحر ، فليس ثمة سبب تجيز الشريعة الانتحار ، وليس ثمة وصف
أو كيفية أجازته الشريعة المطهرة ، لأن العبد ليس له أن يتصرف في نفسه إلا بأذن من
الله جل جلاله ، وليس له أن يستعجل نهايته ، فيبادر ربه بالأجل ، فيحرم من النعيم
الأبدي في جنات النعيم .
إياك إياك يا عبد الله من القنوط ، أو اليأس من رحمة الله : ( إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ
مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ) .
فاحذر يا عبد الله من خاتمة السوء بالانتحار ، ولا تتحجر واسعا من رحمة الله ؛ فمن
يدري متى يأتي الفرج ، ومن يدري متى يأتي اليسر ، ومن يدري ماذا خبأ الله لك عنده
؟!
وإياك أن تكف عن دعاء ربك ، فلعل اللحظة التي تكف فيها عن الدعاء ، تكون ساعة
الإجابة ، ولعل الله قد أخر عنك الجواب ، ليسمع منك الدعاء ، أو ليختبر صبرك ، أو
ليرفع درجتك ، أو ليكفر عنك خطيئتك ؛ فحذار ياعبد الله من القنوط من رحمة ربك : (
قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ * قَالَ وَمَنْ
يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ ) الحجر/55 - 56.
اشغل نفسك بطاعة ربك ، وذكره ، واستغفاره ، واعلم أنه من يتق الله يجعل له مخرجا ،
ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا : ( فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ
مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ
) الشرح /5-8.
وانظر جواب السؤال رقم (
111938 ) ، ورقم
(71236) .
ونحن ننصحك مع ذلك أن تحاول
الانتقال إلى بلدك ، والعيش في وسط أهلك ، فإن في ذلك تخفيفا عنك ، فإن لم تستطع
لسبب ما ، فحاول أن تكثر من جلوسك في وسط الملتزمين ، وبيئة الطائعين في أقرب مركز
إسلامي إليك ، فلعل الله أن ينفعك بصحبة صالحة ، تخفف عنك ما أنت فيه ، مع محاولة
عرض حالك على بعض الأطباء النفسيين ، والسعي في علاجها بما استطعت .
نسأل الله أن يتم عليك الشفاء والعافية ، وأن يفرج عنك ما أنت فيه .
والله أعلم