ما صحة هذا الحديث ؟
: " أن النبي صلّى الله عليه وسلم كان في سفر ، ومعه أبو بكر وعمر ، فأرسلوا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم يسألونه لحماً ، فقال : ( أو ليس قد ظللتم من اللحم شباعاً ؟ ) قالوا : من أين ؟ ، فوالله ما لنا باللحم عهد منذ أيام ، فقال : ( من لحم صاحبكم الذي ذكرتم !! ) قالوا : يا نبي الله : إنما قلنا والله إنه لضعيف ، ما يعيننا على شيء !! قال : ( ذلك تقولوا ؟ ) ، فرجع إليهم الرجل فأخبرهم بالذي قال ، فجاء أبو بكر فقال : يا نبي الله طأ على صماخي واستغفر لي ، ففعل ، وجاء عمر فقال : يا نبي الله طأ على صماخي واستغفر لي ، ففعل " .
الحمد لله.
هذا الحديث رواه الحكيم الترمذي في "نوادر الأصول" (1/ 283) فقال :
حدثنا أبي - رحمه الله - حدثنا سعد بن حفص الطلحي عن شيبان عَن يحيى بن أبي كثير رَضِي الله عَنهُ : " أَن نَبِي الله كَانَ فِي سفر ، وَمَعَهُ أَبُو بكر وَعمر رَضِي الله عَنْهُمَا ، فأرسلوا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسألونه لَحْمًا ، فَقَالَ : ( أَو لَيْسَ قد ظللتم من اللَّحْم شباعا ؟ ) ، قَالُوا : من أَيْن ؟ فوَاللَّه مَا لنا بِاللَّحْمِ عهد مُنْذُ أَيَّام ، فَقَالَ : ( من لحم صَاحبكُم الَّذِي ذكرْتُمْ ) ،. قَالُوا : يَا نَبِي الله إِنَّمَا قُلْنَا : وَالله إِنَّه لضعيف مَا يعيننا على شَيْء ، قَالَ : ( وَذَاكَ فَلَا تَقولُوا ) ، فَرجع إِلَيْهِم الرجل فَأخْبرهُم بِالَّذِي قَالَ ، فجَاء أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ : يَا نَبِي الله طأ على صماخي واستغفر لي ، فَفعل ، وَجَاء عمر رَضِي الله عَنهُ فَقَالَ : يَا نَبِي طأ على صماخي واستغفر لي ، فَفعل " .
وهذا إسناد واه ( ضعيف جدا ) :
- الحكيم الترمذي رحمه الله ترجمه الحافظ الذهبي في "السير" (13/ 439-441) فقال :
" الإِمَامُ، الحَافِظُ ، العَارِفُ ، الزَّاهِدُ ، أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيِّ بنِ الحَسَنِ بنِ بِشْر الحَكِيْم التِّرْمِذِيّ .
كَانَ ذَا رحلَةٍ وَمَعْرِفَةٍ ، وَلَهُ مُصَنَّفَاتٌ وَفضَائِل .
وَلَهُ حَكَم وَمَوَاعِظ وَجَلاَلَة، لَوْلاَ هَفْوَةً بَدَت مِنْهُ.
قَالَ أَبُو عبد الرَّحْمَن السُّلَمِيّ : أَخرَجُوا الحَكِيْم مِنْ تِرْمِذ ، وَشَهِدُوا عَلَيْهِ بِالكُفْر، وَذَلِكَ بِسبب تَصنيفه كِتَاب " ختم الولاَيَة " ، وَكِتَاب "علل الشَّرِيْعَة " ، وَقَالُوا : إِنَّهُ يَقُوْلُ : إِنَّ للأَوْلِيَاء خَاتماً كَالأَنْبِيَاء لَهُم خَاتم.
وَإِنَّهُ يُفَضِّل الوِلاَيَة عَلَى النُّبُوَّة ، وَاحتج بِحَدِيْث: ( يَغْبِطُهُمُ النَّبِيُّونَ وَالشُّهَدَاءُ ) .
فَقَدِمَ بَلْخ ، فَقَبِلُوهُ لموَافقته لَهُم فِي المَذْهَب " انتهى ملخصا .
- وأبوه لم نقف له على ترجمة ، وقد تفرد بهذا الحديث عن سعد بن حفص ، وهو ثقة روى عنه الحفاظ كالبخاري والذهلي والدوري والدارمي وغيرهم ، فانفراد علي بن الحسن والد الحكيم الترمذي عنه بهذا الحديث مما يدل على أنه غير محفوظ .
- ويحيى بن أبي كثير من صغار التابعين ، من الطبقة الخامسة عند الحافظ ، وهم الذين رأوا الواحد والاثنين من الصحابة ، ولم يثبت لهم سماع من أحد منهم ، وهو ثقة ، لكنه يدلس ويرسل.
"التقريب" (ص596)
فهذا إسناد واهٍ لا يصلح ولا في الشواهد .
وقد روى هذا الحديث الخرائطي في "مساوئ الأخلاق" (ص: 95) والضياء في "المختارة" (1697) من طريق عَبَّاد بْن الْوَلِيدِ بْنِ الْغُبَرِيِّ: ثنا حِبَّانُ بْنُ هِلالٍ ، ثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ ، أنبا ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ : " كَانَتِ الْعَرَبُ يَخْدُمُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي الْأَسْفَارِ، وَكَانَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ رَجُلٌ يَخْدُمُهُمَا، فَنَامَ ، وَاسْتَيْقَظَا وَلَمْ يُهَيِّئْ طَعَامًا، فَقَالَا : إِنَّ هَذَا لَنَؤومٌ ، فَأَيْقَظَاهُ فَقَالَا : ائْتِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقُلْ لَهُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ يُقْرِآنِكَ السَّلَامَ، وَهُمَا يَسْتَأْدِمَانِكَ. فَأَتَاهُ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَخْبِرْهُمَا أَنَّهُمَا قَدِ ائْتَدَمَا ) ، فَفَزِعَا ، فَجَاءَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، بَعَثْنَا نَسْتَأْدِمُكَ، فَقُلْتَ : ائْتَدَمَا، فَبِأَيِّ شَيْءٍ ائْتَدَمْنَا ؟ فَقَالَ : ( بِأَكْلِكُمَا لَحْمَ أَخِيكُمَا، إِنِّي لَأَرَى لَحْمَهُ بَيْنَ ثَنَايَاكُما ) ، فَقَالَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَاسْتَغْفِرْ لَنَا، قَالَ: ( هُوَ، فَلْيَسْتَغْفِرْ لَكُمَا ) .
قال الشيخ الألباني رحمه الله في "الصحيحة" (2608) :
" وهذا إسناد صحيح ، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير أبي بدر الغبري ، قال أبو حاتم وتبعه الحافظ : " صدوق " ، وذكره ابن حبان في " الثقات " ، وروى عنه جمع من الحفاظ الثقات ، وقد توبع ، فقال الضياء عقبه : " وقد رواه عفان بن مسلم عن حماد بن سلمة عن ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى : " أن العرب كانت تخدم بعضهم بعضا في الأسفار ... " فذكره " انتهى .
والذي ذكره الضياء معلقا ، وصله أبو القاسم الأصبهاني في "الترغيب والترهيب" (2231) من طريق جعفر بن محمد الصائغ ، حدثنا عفان ، حدثنا حماد بن سلمة ، ثنا ثابت عن عبد الرحمن بن أبي ليلى به مرسلا .
وعفان ثقة حافظ متقن ، من رجال الشيخين ، وهو من أوثق الناس في حماد بن سلمة ، قال يحيى بن معين : من أراد أن يكتب حديث حماد بن سلمة، فعليه بعفان بن مسلم .
"شرح علل الترمذي" (2/ 707) ، وراجع : "التهذيب" (7/205-209) .
فروايته مقدمة على رواية الغبري الذي غاية ما قيل فيه إنه صدوق .
وعلى ذلك فرواية عفان المرسلة تُعِل رواية الغبري الموصولة ، ولا تشهد لها .
وللحديث شاهد آخر رواه أبو الشيخ الأصبهاني في "التوبيخ والتنبيه" (249) : حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ، نَا الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: قُرِئَ عَلَى عَامِرٍ ، عن أَسْبَاطٍ ، عَنِ السُّدِّيِّ ، قَالَ: " زُعِمَ أَنَّ سَلْمَانَ كَانَ مَعَ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ يَخْدِمُهُمَا ، وَيخِفُّ بِهِمَا ، وَيَنَالُ مِنْ طَعَامِهِمَا ، وَأَنَّ سَلْمَانَ لَمَّا سَارَ النَّاسُ ذَاتَ يَوْمٍ ، بَقِيَ سَلْمَانُ نَائِمًا ، لَمْ يَسِرْ مَعَهُمْ ، فَنَزَلَ صَاحِبَاهُ ، فَطَلَبَاهُ ، فَلَمْ يَجِدَاهُ ، فَضَرَبَا الْخِبَاءَ ، فَقَالَا : مَا يُرِيدُ هَذَا الْعَبْدُ إِلَّا أَنْ يَجِيءَ إِلَى طَعَامٍ مُعَدٍّ ، وَخِبَاءٍ مَضْرُوبٍ ؟ فَلَمَّا جَاءَ سَلْمَانُ ، أَرْسَلَاهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَمَعَهُ قَدَحٌ ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، بَعَثَنِي أَصْحَابِي لِتُؤْدِمَهُمْ إِنْ كَانَ عِنْدَكَ ، قَالَ: ( مَا يَصْنَعُ أَصْحَابُكَ بِالْأَدَمِ ؟ قَدِ ائْتَدَمُوا ) ، فَرَجَعَ سَلْمَانُ فَأَخْبَرَهُمَا فَانْطَلَقَا حَتَّى أَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَا: لَا، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، مَا أَصَبْنَا طَعَامًا مُنْذُ نَزَلْنَا، قَالَ: ( إِنَّكُمَا قَدِ ائْتَدَمْتُمَا بِسَلْمَانَ بِقَوْلِكُمَا ) ، فَنَزَلَتْ: ( أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا ) الحجرات/ 12 .
قال الألباني :
" هذا مرسل ، والسند إليه ضعيف " انتهى من "الصحيحة" (6/107) .
والحاصل : أن الحديث ضعيف ، لا يصح إلا مرسلا ، والرواية الأولى لا تصلح في الشواهد لشدة ضعفها ، ورواية الوصل من حديث حماد بن سلمة معلولة بالإرسال ، ولعله لذلك قال الحافظ العراقي رحمه الله : " روي نحوه مرسلا " انتهى من "تخريج الإحياء" (3/180) .
والعلم عند الله تعالى.