إذا قال الشخص : عندما تأتيني النقود سأذبح لله لا يكون نذرا إلا بالنية
حدث لي حادث مفاجئ ، ونجاني الله منه ، ونصحني بعض الناس بذبح شيء لله ، فقلت : إن شاء الله ، ثم قلت : عندما تأتيني النقود سأعمله ، وفعلا اشتريت شاة وقمت بذبحها ، وسأوزعها .
فهل يجوز لي أن آكل منها أم لا ؟
الجواب
الحمد لله.
قولك " عندما تأتيني النقود سأعمله " تعني ذبح شيء لله ، فيه تفصيل :
أولا :
إذا قصدت به الالتزام والاستحقاق في الذمة على وجه النذر ، لزمك الوفاء به ، فقد
قال تعالى : ( وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ ) الحج/29. وقال عليه الصلاة والسلام : (
مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ
فَلاَ يَعْصِهِ ) رواه البخاري (6696) .
وأما حكم أكلك من النذر في هذه الحالة ففيه تفصيل أيضا :
الحالة الأولى : إذا كنت قد نويت في قلبك عند نذرك أن تأكل منه ، أو تلفظت بذلك ،
ففي هذه الحالة يجوز لك الأكل منه ، ولا حرج إن شاء الله .
الحالة الثانية : إذا نويت في قلبك أنه نذر للفقراء والمساكين ، فلا يجوز لك الأكل
منه باتفاق المذاهب الأربعة ، فقد تعبدت الله عز وجل بالنذر خالصا لوجهه الكريم ،
وذلك يقتضي صرفه للفقراء والمساكين وعدم الانتفاع به لنفسك ، كما جاء في " الموسوعة
الفقهية " (5/ 120): " وأما في النذر فإذا لم ينوه للمساكين جاز له الأكل منه عند
المالكية ، وعند بقية المذاهب لا يأكل منه " انتهى .
الحالة الثالثة : أما إذا أطلقت النية ، ولم تقصد الفقراء والمساكين ، كما لم تنو
أن تأكل منه ، ففي هذه الحالة أجاز المالكية الأكل منه ، وحرمه جمهور العلماء ، ولا
شك أن عدم الأكل منه هو الأحوط ، كما جاء في " فتاوى اللجنة الدائمة " (23/392): "
من نذر نذراً يترتب عليه إطعام طعام ، فالأصل أن الناذر لا يأكل من نذره ، إلا أن
يشترط ، أو ينوي أن يأكل من نذره ، فإنه يباح له الأكل كما اشترط أو نوى ".
وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم : (44874) ، (82667) .
ثانيا :
أما إذا لم تقصد الالتزام والنذر ، وإنما أردت الإخبار عما تنوي فعله في مستقبل
الأيام ، أو عما تحب فعله إن تيسر لك ، فهذا ليس نذرا ، فالنذر لا بد له من صيغة
تدل على التأكيد والالتزام ، مثل : لله علي ، أو نذر علي ، ونحو ذلك . ولهذا لا يجب
الوفاء بما تلفظت به ، وإنما يستحب ، فالعبادات مستحبة في جميع الأحوال .
وفي هذه الحالة لا حرج عليك أن تأكل من الذبيحة ، فقد ذبحتها صدقة وتقربا لله عز
وجل ، فلحمها ليس محبوسا على الفقراء والمحتاجين ؛ لأنها ليست نذرا .
يقول الإمام الرملي الشافعي رحمه الله :
" وخرج نحو: ( إن شفى الله مريضي عمرت مسجد كذا أو دار زيد ) فيكون لغوا ؛ لأنه
وعدٌ عارٍ عن الالتزام ، نعم إن نوى به الالتزام لم يبعد انعقاده " انتهى من "
نهاية المحتاج ". (8/221) وعلق صاحب الحاشية عليه بقوله : " خرج به ما لو قال (
فعلي عمارة مسجد كذا ) فتلزمه عمارته ".
ويقول الخطيب الشربيني رحمه الله :
" لو قال ابتداء : ( مالي صدقة ، أو في سبيل الله ) فلغو ؛ لأنه لم يأت بصيغة
التزام " انتهى من " مغني المحتاج " (6/252)، وانظر أمثلة أخرى في " حاشية قليوبي "
(4/290) .
وهو مقتضى تعريف فقهاء الحنابلة النذر بقولهم : " إلزام مكلف مختار نفسه لله تعالى
شيئا غير محال بكل قول يدل عليه " ينظر " الروض المربع " (ص/701). وانظر " الشرح
الممتع " (15/207). فقد اشترطوا قولا يدل على الإلزام ، فلا يكفي القول الذي يدل
على الوعد المجرد من الإلزام والالتزام .
والله أعلم .