الحمد لله.
ثانيا :
من استدان في حق ، وهو ينوي الوفاء :
فإن كان عنده وفاء دينه ، لكنه مات قبل محله ، أو لم يتمكن من أدائه ، فأوصى ورثته
بأداء دينه : فقد أدى ما عليه .
فإن لم يكن عنده وفاء دينه ، وكان قد عزم على أدائه ، فهو في محل الرجاء من الله أن
يحمل عنه دينه ، ويؤديه لصاحبه :
روى أحمد (24455) عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَنْ حُمِّلَ مِنْ أُمَّتِي دَيْنًا، ثُمَّ جَهِدَ فِي
قَضَائِهِ، فَمَاتَ وَلَمْ يَقْضِهِ، فَأَنَا وَلِيُّهُ )
وصححه الألباني في "صحيح الترغيب" (1800)
وروى البخاري (2387) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ
أَدَاءَهَا أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ، وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتْلاَفَهَا أَتْلَفَهُ
اللَّهُ )
وروى الطبراني في "المعجم الكبير" (1049) عَنْ مَيْمُونَةَ، قَالَتْ: سَمِعْتُ
النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( مَنِ ادَّانَ دَيْنًا
يَنْوِي قَضَاءَهُ أَدَّى الله عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) صححه الألباني في
"صحيح الجامع" (5986)
قال القاري رحمه الله :
" (أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ) : أَيْ: أَعَانَهُ عَلَى أَدَائِهِ فِي الدُّنْيَا أَوْ
أَرْضَى خِصْمَهُ فِي الْعُقْبَى " انتهى .
"مرقاة المفاتيح" (5/ 1957)
وروى الترمذي (1078) عنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
( نَفْسُ المُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ ) صححه الألباني
في "صحيح الترمذي"
قال الشوكاني رحمه الله :
" فِيهِ الْحَثُّ لِلْوَرَثَةِ عَلَى قَضَاءِ دَيْنِ الْمَيِّتِ، وَالْإِخْبَارُ
لَهُمْ بِأَنَّ نَفْسَهُ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ، وَهَذَا
مُقَيَّدٌ بِمَنْ لَهُ مَالٌ يُقْضَى مِنْهُ دَيْنُهُ ، وَأَمَّا مَنْ لَا مَالَ
لَهُ وَمَاتَ عَازِمًا عَلَى الْقَضَاءِ فَقَدْ وَرَدَ فِي الْأَحَادِيثِ مَا
يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقْضِي عَنْهُ " انتهى من "نيل الأوطار" (4/
30)
راجع لتمام الفائدة جواب السؤال رقم : (118124)
.
ثالثا :
الإفلاس لا يسقط به الدين ، وإنما يبقى الدين في ذمته حتى يتمكن من سداده ، أو
يسدده عنه غيره ، أو يسقطه عنه صاحبه .
فإذا قامت الحكومة بالحجز على ممتلكاتك مقابل الدين ، فلم يف ذلك به ، فأسقطته عنك
، فلا يخلو الأمر من حالتين :
الأولى : أن يكون هذا الدين لمعين فأسقطته عنك القوانين الوضعية لثبوت الإفلاس ،
فهذا باق في الذمة لا يسقط ، وإن حكمت به المحكمة .
وينظر جواب السؤال رقم : (127591)
.
الثانية : أن يكون هذا الدين
للبنك أو الحكومة ، فلما تم الحجز ولم يف بالدين أسقطت المتبقي برضا وطيب نفس ،
للعجز عنه ، فهنا لا شيء عليك ؛ لأن صاحب الدين قد تنازل عن بقيته .
فإن كان التنازل عن غير رضا ، إنما هو إمضاء لقوانين تلك البلاد فالدين باق في
الذمة يجب سداده عند القدرة ، أو الوصية بسداده ، إلا عند العجز التام فإذا كان بحق
فإن الله يؤديه عنك كما تقدم ، ولا شيء عليك .
والواقع أن تحقق الرضا في مثل ذلك متعسر ، أو متعذر ، فالدين هنا ليس حقا لمعين ، يمكن رضاه ، ومسامحته ، بل هو حق لجهة ، لا يكاد يطرأ للقائم عليها : قضية المسامحة من عدمها ، وإنما الغالب في مثل ذلك : العمل بالقانون العام الذي تخضع له الجهة الدائنة ، ولذلك لا يمكن القائم على البنك ونحوه أن يسقط الدين عن المدين ، وإن كان راغبا في ذلك ، إلا إذا كان هناك قانون يسمح بمثل ذلك الإسقاط .
لكن إن كان الدين للحكومة
مباشرة ، أو لجهة مملوكة للحكومة ، ومات صاحبه وليس عنده أداء له : فأسقطته الحكومة
، فإنه يسقط عن صاحبه ، ولا يحلقه به إثم ولا تقصير ؛ لأن هذا واجب له على الحكومة
: أن تحمل عنه ، وتؤدي دين المعسر من المال العام ؛ فكيف إذا كان الدين لها مباشرة
.
روى البخاري (8/150) ومسلم (1619) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَنَا أَوْلَى
بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، فَمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَمْ
يَتْرُكْ وَفَاءً فَعَلَيْنَا قَضَاؤُهُ، وَمَنْ تَرَكَ مَالًا فَلِوَرَثَتِهِ
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" وَهَلْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِهِ أَوْ يَجِبُ عَلَى وُلَاةِ الْأَمْرِ
بَعْدَهُ وَالرَّاجِحُ الِاسْتِمْرَارُ لَكِنَّ وُجُوبَ الْوَفَاءِ إِنَّمَا هُوَ
من مَال الْمصَالح" انتهى من "فتح الباري" (12/10) ، وينظر : "نيل الأوطار" (4/31)
.
والله تعالى أعلم .