هل يحل بدل نفقات حضور حفل التخرج المشتمل على بعض المنكرات ؟
أنا طالب مبتعث للدراسة خارج البلاد ، وقد دُعيت مِن قِبَل السفارة لحضور حفل التخرج ، ولكني فوجئت أن الحفل فيه منكرات كالموسيقى واختلاط الرجال بالنساء... السؤال : هل يجوز لي أن آخذ تعويضا عن الحضور للمواصلات والسكن . علما بأنهم يعوضوننا عن قيمة تذكرة السفر ، ويعطون مبلغا محددا للسكن لكل من ثبت حضوره للحفل . علما بأني لم أكن أتوقع أن يشتمل الحفل على محاذير شرعية عندما ذهبت إليه ؟
ملخص الجواب:
والحاصل :
أنه لا يظهر لنا حرج في أخذ بدل السفر والسكن ، ما دمت قد سافرت ، وسكنت هناك فعلا
، وأما تركك للحفل ، فإنما كان لأجل عذر شرعي ، لا يسقط استحقاقك المادي .
والله أعلم .
الجواب
الحمد لله.
بداية نسأل الله تعالى لك الأجر والمثوبة ، والسداد والتوفيق في مسيرتك العلمية ،
ونبارك لك تخرجك ، كما نبارك لأمثالك من الشباب الحريصين على الانتماء لأمتهم
والاستقامة على دينهم.
وأما عن سؤالك : فإذا كنت قد حضرت الحفل فعلا ، فوجدت فيه من المخالفات ما لا يجوز
إقراره ، والشهادة عليه : فلا حرج عليك في طلب بدل المواصلات والسكن ، فقد ثبت
حضورك الحفل ، ولكنك لم تكمله معهم ، وهم لا يشترطون إتمام الحضور ، بل إثباته ،
ولهذا ينطبق الشرط عليك ، وعدم استكمالك الحضور إنما كان لعذر شرعي ، وهو أولى من
أي عذر خاص يمكن أن يلحق الطالب في حضوره ، لمرض مفاجئ مثلا أو حادث طارئ ، وما
أشبه ذلك من الأعذار التي تمنح الطالب الحق في قبض نفقات الإقامة والمواصلات لأجل
هذا الحفل .
وغالب الظن أن السفارة لا تشترط إثبات حضور الحفل من أوله إلى آخره ، بل ستقدر أن
سفر الطالب إلى مكان إقامة الحفل، وتجشمه العناء للمشاركة كاف لمساعدته ، وتقديم
العون له ؛ فقد لا يستدل على العنوان ، أو يطرأ له عذر بعد استعداده للحضور ، لذلك
نقول لك إنه لا حرج عليك في قبض تلك التعويضات .
وأما إذا كان إشكالك عن تأثير ما وقع في الحفل من محرمات على أي مال يُقبض في سبيله
، فليست قضية إشكالية في رأينا أيضا ، ذلك أن الحفل في أصله حفل مباح ، يقام لغرض
مباح ، وهو الفرح بتخرج الطلاب واكتمال مشوارهم التعليمي في هذه المرحلة، والحرام
الطارئ ، أو العارض ، لا يؤثر في الحكم على الأصل نفسه ، فالموسيقى أو الاختلاط أو
التبرج الذي قد يصاحب الحفل المباح في أصله لا يجعل الحفل نفسه محرما ، تماما كما
أن بيع الدخان مثلا في البقالة لا يجعل إنشا البقالة من أصله محرما ، ولا يحرم بيع
شيء من المباحات فيها ؛ بل لا بد من التفصيل ، والنظر في الأمور بميزان الإنصاف
والاعتدال . يقول الإمام الشاطبي رحمه الله : " لا يخرج العارضُ تلك الأمور عن
أصولها ؛ لأنها أصول الدين ، وقواعد المصالح ، وهو المفهوم من مقاصد الشارع ، فيجب
فهمها حق الفهم " انتهى من " الموافقات " (5/199). وجاء في " تهذيب الفروق "
(1/147): " ربما خُفِّفَ الأمرُ في الحرام العارض " انتهى.
أما لو أقيم احتفال مثلا بمناسبة عيد لغير المسلمين ، أو بمناسبة صدور قانون يناقض
الشريعة ، أو غير ذلك من الأهداف المحرمة في نفسها ، فمثل هذه الاحتفالات هي التي
نحكم عليها بأنها غير مشروعة في أصلها ، فلا يحل قبض بدل نفقات حضورها .
وهذا التفريق بين الحرام الأصلي ، والحرام الطارئ ، وأثره على الحكم الشرعي ، أمر
مستقر في فروع الفقه الإسلامي ، ومثاله لو أجرت بيتا لمن يسكن فيه ، فوقع خلال سكنه
في بعض المحرمات ، فلا إثم على المؤجر ؛ لأن الحرام طارئ ، بخلاف ما لو أجرت المنزل
لغرض تحويله إلى مصنع خمر مثلا ، فهذا تأجير محرم .
يقول ابن الهمام رحمه الله - ناقلا عن بعض كتب الحنفية -:
" إذا استأجر الذمي من المسلم دارا ليسكنها فلا بأس بذلك ; لأن الإجارة وقعت على
أمر مباح فجازت ، وإن شرب فيها الخمر ، أو عبد فيها الصليب ، أو أدخل فيها الخنازير
: لم يلحق المسلم في ذلك شيء ; لأن المسلم لم يؤاجرها لها ، إنما أجر للسكنى ، فكان
بمنزلة ما لو أجر دارا من فاسق : كان مباحا ، وإن كان قد يعصي فيها " انتهى من "
فتح القدير " (10/ 60) .