الحمد لله.
أولا :
المهدي المنتظر لدى الطائفة الشيعية ليس هو نفسه المسيح الدجال الذي حذر منه النبي
صلى الله عليه وسلم ، بكامل أوصافه ، وتفاصيل صورته التي وردت في السنة .
ولا يجوز أن يغلو المسلم فينسب للطوائف المخالفة ما ليس صحيحاً من أقوالهم ، بل لا
بد من الصدق والالتزام بالموضوعية والأمانة في نسبة الأقوال ، كما قال الله عز وجل
: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ
بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا
اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ
بِمَا تَعْمَلُونَ ) المائدة/ 8 ، وقال سبحانه : ( وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا
وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ
لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ) الأنعام/152.
فالمهدي المنتظر لدى الشيعة : هو شخص معين معروف النسب ، اسمه محمد بن الحسن
العسكري ، ابن الإمام الحادي عشر من أئمتهم ، من نسل الحسين بن علي رضي الله عنه ،
ولد سنة (256هـ) ، ودخل السرداب بعد موت أبيه وعمره سنتان ، أو ثلاث ، أو خمس ، على
اختلاف رواياتهم .
يقول ابن قيم الجوزية رحمه الله :
" وأما الرافضة الإمامية : فالمهدي [عندهم] هو : محمد بن الحسن العسكري المنتظر ،
من ولد الحسين بن علي ، لا من ولد الحسن ، الحاضر في الأمصار ، الغائب عن الأبصار ،
الذي يورث العصا , ويختم الفضا ، دخل سرداب سامراء طفلاً صغيراً من أكثر من خمس مئة
سنَة ، فلم تره بعد ذلك عينٌ , ولم يحسَّ فيه بخبر , ولا أثر ، وهم ينتظرونه كل يوم
! يقفون بالخيل على باب السرداب , ويصيحون به أن يخرج إليهم : " اخرج يا مولانا " ،
ثم يرجعون بالخيبة والحرمان ، فهذا دأبهم ودأبه ... ولقد أصبح هؤلاء عارا على بني
آدم ، وضحكة يسخر منها كل عاقل " انتهى من " المنار المنيف " (ص/152) .
وللتوسع ينظر " أصول مذهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية – عرض ونقد "، للدكتور ناصر
القفاري ، (2/823-911) .
وفي المقابل : فإن المسيح الدجال يختلف بصفاته الثابتة في السنة عن المهدي المنتظر
عند الشيعة ، فالدجال ليس من نسل الحسن ولا الحسين ، ويكون فتنة على البشرية ، يدعي
النبوة ثم الألوهية ، ومكتوب بين عينيه " كافر " ، وقد سبق تفصيل الحديث عنه في
الفتوى رقم : (129164) .
ثانيا :
ورغم ما هو ثابت من الفرق بين الشخصيتين ، إلا أن بعض الباحثين درسوا أوجه التشابه
بين المهدي المنتظر لدى الرافضة ، وبين المسيح المخلص المنتظر عند اليهود ، الذي
يظهر في آخر الزمان ، وتواطأت عليه كتبهم .
فوجدوا نحوا من عشرة أوجه من التشابه بين هذين المنتظرين ، منها أمور مجملة لا بأس
بالتشابه بها ، ولكن منها أمور تفصيلية يتعجب القارئ من وقوع التشابه فيها ، الأمر
الذي يحتاج إلى وقفة تحليلية في تأثر فكرة "المنتظر" ، عند هذه الطائفة خاصة ، بما
في العقائد السابقة .
يقول الدكتور عبد الله الجميلي :
" إن المتأمل لصفات المسيح المنتظر عند اليهود ، وصفات المهدي المنتظر عند الرافضة
، يجد أن هناك تشابها كبيرا بين صفات مسيح اليهود ، ومهدي الرافضة ، يمكن أن نلخص
أوجه التشابه بينهما فيما يلي :
أولا :
عندما يعود مسيح اليهود : يضم مشتتي اليهود من كل أنحاء الأرض ، ويكون مكان
اجتماعهم مدينة اليهود المقدسة ، وهي ( القدس ).
وعندما يخرج مهدي الرافضة ، يجتمع إليه الرافضة من كل مكان ، ويكون مكان اجتماعهم
المدينة المقدسة عند الرافضة ، وهي ( الكوفة ) .
التوثيق :
[ يقول السموأل بن يحيى المغربي (ت570هـ) – وقد كان يهوديا فأسلم - : "يعتقدون أيضا
أن هذا المنتظر متى جاءهم يجمعهم بأسرهم إلى القدس ، وتصير لهم الدولة ، ويخلو
العالم من سواهم ، ويحجم الموت عن جنابهم المدة الطويلة " انتهى من "بذل المجهود في
إفحام اليهود" (ص/127) .
وجاء في "بحار الأنوار" (52/291) من كتب الشيعة : "عن مولى لأبي الحسن قال: سألت
أبا الحسن عليه السلام عن قوله : ( أينما تكونوا يأت بكم الله جميعا ) قال: وذلك
والله أن لو قد قام قائمنا يجمع الله إليه شيعتنا من جميع البلدان"]
ثانيا :
عند خروج مسيح اليهود يحيا الأموات من اليهود ، ويخرجون من قبورهم لينضموا إلى جيش
المسيح .
وعندما يرجع مهدي الرافضة يحيا الأموات من الرافضة ، ويخرجون من قبورهم لينضموا إلى
معسكر المهدي .
التوثيق :
[جاء في " سفر حزقيال "، الإصحاح (37)، (الفقرات/12) : " قال السيد الرب : هأنذا
أفتح قبوركم وأصعدكم من قبوركم يا شعبي ، وآتي بكم إلى أرض إسرائيل " .
وجاء في " بحار الأنوار " (52/337) من كتب الشيعة : " إذا آن قيامه ، مطر الناس
جمادى الآخرة ، وعشرة أيام من رجب ، مطرا لم تر الخلائق مثله ، فينبت الله به لحوم
المؤمنين وأبدانهم في قبورهم ، وكأني أنظر إليهم مقبلين من قبل جهينة ينفضون شعورهم
من التراب "]
ثالثا :
عندما يأتي مسيح اليهود : تخرج جثث العصاة ليشاهد اليهود تعذيبهم .
وعندما يأتي مهدي الرافضة : يخرج أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من قبورهم فيعذبهم
.
التوثيق :
[جاء في " سفر يوئيل "، الأصحاح الثالث ، (الفقرة/1-2): " في تلك الأيام ، وفي ذلك
الوقت ، عندما أرد سبي يهوذا وأورشليم . أجمع كل الأمم ، وأنزلهم إلى وادي يهوشافاط
، وأحاكمهم هناك على شعبي وميراثي إسرائيل الذين بددوهم بين الأمم ، وقسموا أرضي"
وجاء في " بحار الأنوار " (53/12) من كتب الشيعة : " ثم يسير المهدي إلى مدينة جدي
رسول الله صلى الله عليه وآله ، يرد إلى قبر جده صلى الله عليه وآله . فيقول : ومن
معه في القبر ؟ فيقولون : صاحباه وضجيعاه أبو بكر وعمر . فيقول : من أبو بكر وعمر !
وكيف دفنا من بين الخلق مع جدي رسول الله صلى الله عليه وآله ، وعسى المدفون غيرهما
. فيقول للخلق بعد ثلاث : أخرجوهما من قبريهما ، فيخرجان غضين طريين لم يتغير
خلقهما ، ولم يشحب لونهما "]
رابعا :
يحاكم مهدي اليهود كل من ظلم اليهود ويقتص منهم ، ويحاكم مهدي الرافضة كل من ظلم
الرافضة ويقتص منهم .
التوثيق :
[جاء في " بحار الأنوار " (52/355) من كتب الشيعة: " عن أبي عبد الله عليه السلام
قال : إذا خرج القائم لم يكن بينه وبين العرب وقريش إلا السيف "
خامسا :
يقتل مهدي اليهود ثلثي العالم ، ويقتل مهدي الرافضة ثلثي العالم .
التوثيق :
[جاء في " سفر زكريا "، الأصحاح الثالث عشر، (فقرة/8): " يقول الرب أن ثلثين منها
يقطعان ويموتان ، والثلث يبقى فيها "
وجاء في " بحار الأنوار " (52/113) من كتب الشيعة : " سمعنا أبا عبد الله عليه
السلام يقول : لا يكون هذا الأمر حتى يذهب ثلثا الناس . فقلنا : إذا ذهب ثلثا الناس
فمن يبقى ؟ فقال : أما ترضون أن تكونوا في الثلث الباقي "]
سادسا :
عندما يخرج مسيح اليهود تتغير أجسام اليهود ، فتبلغ قامة الرجل منهم مائتي ذراع ،
وكذلك تطول أعمارهم .
وعندما يخرج مهدي الرافضة تتغير أجسام الرافضة ، فتصير للرجل منهم قوة أربعين رجلا
، ويطأ الناس بقدميه ، وكذلك يمد الله لهم في أسماعهم وأبصارهم .
التوثيق :
[جاء في " التلمود ": " إن حياة الناس حينئذ ستطول قرونا ، والطفل يموت في سن
المائة ، قامة الرجل ستكون مائتي ذراع " انتهى نقلا عن ظفر الإسلام خان ، التلمود
تاريخه وتعاليمه ، ص60 .
وجاء في " بحار الأنوار " (52/317) من كتب الشيعة : " عن علي بن الحسين عليهما
السلام قال : إذا قام قائمنا أذهب الله عز وجل عن شيعتنا العاهة ، وجعل قلوبهم كزبر
الحديد ، وجعل قوة الرجل منهم قوة أربعين رجلا ، ويكونون حكام الأرض وسنامها "]
سابعا :
في عهد مهدي اليهود تكثر الخيرات عند اليهود ، فتنبع الجبال لبنا وعسلا ، وتطرح
الأرض فطيرا وملابس من الصوف ، وفي عهد مهدي الرافضة تكثر الخيرات عند الرافضة ،
وينبع من الكوفة نهران من الماء واللبن يشرب منهما الرافضة .
التوثيق :
[جاء في " سفر يوئيل "، الإصحاح الثالث، (فقرة/18): " يكون في ذلك اليوم أن الجبال
تقطر عصيرا ، والتلال تفيض لبنا ، وجميع ينابيع يهوذا تفيض ماء ، ومن بيت الرب يخرج
ينبوع ويسقي وادي السنط " .
وجاء في " الكافي " للكليني (1/341) : " قال أبو جعفر عليه السلام : إن القائم إذا
قام بمكة وأراد أن يتوجه إلى الكوفة نادى مناديه : ألا لا يحمل أحد منكم طعاما ولا
شرابا ، ويحمل حجر موسى بن عمران ، وهو وقْر بعير ، فلا ينزل منزلا إلا انبعث عين
منه ، فمن كان جائعا شبع ، ومن كان ظامئا روى ، فهو زادهم حتى ينزلوا النجف من ظهر
الكوفة " .
ثامنا :
مهدي اليهود معدوم لا وجود له ، وكذلك مهدي الرافضة .
ومما يؤكد أيضا صلة مهدي الرافضة باليهود ما صرح به الرافضة أنفسهم من الأمور
التالية :
1. أنه عندما يخرج المهدي ينادي الله باسمه العبراني .
2. أنه يستفتح المدن بتابوت اليهود .
3. أنه يحكم بحكم آل داود عليه السلام .
التوثيق :
[جاء في " الغيبة " للنعماني ، بسنده ، قال أبو عبد الله عليه السلام : إذا أذن
الإمام دعا الله باسمه العبراني " .
وجاء في " الرجعة " للأحسائي (ص/156) – في حديث يصف ما يكون مع المهدي -: " يخرج
الله التابوت الذي أمر به أرميا أن يرميه في بحر طبرية ، فيه بقية مما ترك آل موسى
وآل
هارون ، ورضاضة اللوح ، وعصا موسى ، وقبا هارون ، وعشرة آصاع من المن ، وشرائح
السلوى التي ادخرها بنو إسرائيل لمن بعدهم ، فيستفتح بالتابوت المدن كما استفتح به
من كان قبله ، وينشر الإسلام في المشرق والمغرب والجنوب والقبلة " .
وجاء في " الكافي " للكليني
(1/588) في باب " في الأئمة عليهم السلام أنهم إذا ظهر أمرهم حكموا بحكم داود وآل
داود " وذكر فيه بعض الروايات ] " . انتهى ، من كتاب " بذل المجهود في إثبات مشابهة
الرافضة لليهود " (ص/225-275)، أما التوثيقات ففيها تصرف وإضافة .
والله أعلم .