الحمد لله.
وتأمل حال النبي صلى الله
عليه وسلم ، وما صح عنه في ذلك :
روى البخاري (1991) ، ومسلم (715) - واللفظ له - عن جَابِر بْن عَبْدِ اللهِ رضي
الله عنهما ، " أَنَّهُ كَانَ يَسِيرُ عَلَى جَمَلٍ لَهُ قَدْ أَعْيَا، فَأَرَادَ
أَنْ يُسَيِّبَهُ ، قَالَ: فَلَحِقَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَدَعَا لِي ، وَضَرَبَهُ ، فَسَارَ سَيْرًا لَمْ يَسِرْ مِثْلَهُ ، قَالَ: (
بِعْنِيهِ بِوُقِيَّةٍ ) ، قُلْتُ: لَا، ثُمَّ قَالَ: ( بِعْنِيهِ ) ، فَبِعْتُهُ
بِوُقِيَّةٍ، وَاسْتَثْنَيْتُ عَلَيْهِ حُمْلَانَهُ إِلَى أَهْلِي ، فَلَمَّا
بَلَغْتُ أَتَيْتُهُ بِالْجَمَلِ، فَنَقَدَنِي ثَمَنَهُ ، ثُمَّ رَجَعْتُ،
فَأَرْسَلَ فِي أَثَرِي ، فَقَالَ: (أَتُرَانِي مَاكَسْتُكَ لِآخُذَ جَمَلَكَ ،
خُذْ جَمَلَكَ ، وَدَرَاهِمَكَ فَهُوَ لَكَ) .
قال في " سبل السلام" (2/ 7):
" فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِطَلَبِ الْبَيْعِ مِنْ الرَّجُلِ
لِسِلْعَتِهِ ، وَلَا بِالْمُمَاكَسَةِ " انتهى.
وعن سُوَيْدِ بْنِ قَيْسٍ
قَالَ : " جَلَبْتُ أَنَا وَمَخْرَمَةُ الْعَبْدِيُّ بَزًّا مِنْ " هَجَرَ "
فَأَتَيْنَا بِهِ مَكَّةَ ، فَجَاءَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَمْشِي
، فَسَاوَمَنَا بِسَرَاوِيلَ ، فَبِعْنَاهُ .
رواه الترمذي ( 1305 ) وقال : حسن صحيح ، وأبو داود ( 3336 ) ، والنسائي (4592) ،
وابن ماجه ( 2220 ) وصححه في "صحيح أبي داود" .
والْمُسَاوَمَةُ : المُجاذَبَة بَيْنَ البائِع وَالْمُشْتَرِي عَلَى السّلْعةِ
وفَصلُ ثَمنِها. كما في "النهاية" (2/ 425) وهي المماكسة والمفاصلة .
وهذه المماكسة المعتدلة دليل
رشد وعقل وعلم بسعر السوق ، ومثل هذا محمود لأن صاحبه يكون أبعد عن الغبن والغش
والخديعة في البيع والشراء .
ولذلك يقول الفقهاء : يُعرف رشد الصبي ولد التاجر باختباره في البيع والشراء
والمماكسة فيهما .
انظر "الموسوعة الفقهية" (22/215) .
ثالثا :
وأما ما ورد السؤال عنه من كون النبي صلى الله عليه وسلم كان يماكس حتى يعرق جبينه
، أو نحو ذلك : فلا نعلم له أصلا مرويا عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا هو من
أخلاقه وحاله وسماحته في بيعه وشرائه ، ورفقه في أمره كله ، في شيء .
والله تعالى أعلم .