سؤالي :
هنالك حالة تحتاج لتبرع ، وأنا أرغب بشدة في التبرع لها ، ولكن مالي الذي اختلط بالحرام : هل يجوز لي التبرع منه ؟
وهل يجوز لي أن أصرف على نفسي ، إلى أن أجد عملا جديدا ؟
وهل أستطيع العمل بالتجارة ، وفتح مشروع ، وأن أسدد منه ما علي ؟
الحمد لله.
ولا يضرك اختلاط هذا المال بمالك الحلال ؛ لأن المال الذي عليك رده لأبيك ليس موجودا بعينه ، وإنما يلزمك مقدار معين من المال في ذمتك ، بقدر ما أتلفت من مال أبيك .
وأما المال الذي اكتسبت من عملك ، أو تجارتك ، أو أتاك من أي طريق حلال : فلا علاقة لهذا المال الحرام به ، فالحرام لا يحرم الحلال .
وحينئذ : فلا حرج أن تعملي ما تيسر لك من العمل ، للكسب الطيب ، أو تتاجري بمالك ، إن كان عندك مال للتجارة ، ولا تتكلفي عملا زائدا عما يطيقه مثلك ، عادة ، بل اعملي ما تقدرين عليه ، ووفري المال الباقي بعد نفقتك المعتادة ، وسددي منه ما تبقى عليك من الدين ، أقساطا ، بحسب القدرة .
ثم إن تحديد المال الذي عليك لأبيك : يكفي فيه أن تجتهدي في تقديره ، ما دمت لا تذكرين قدره بالتحديد ، وقد قال الله تعالى : (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) التغابن/16.
وينظر جواب السؤال رقم : (83099) .
على أننا نقترح عليك أن تصارحي والدك بما حدث ؛ فإن من تمام توبة العبد أن يتحلل من صاحب الحق ، وصاحب الحق هو والدك ، وأقرب الناس إليك ، وربما خفف عنك ذلك ما عليك ، وسامحك فيما تبقى من الدين ، وأعفاك منه .
روى البخاري (2449) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ لَا يَكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ ) .
وهذا الأمر ، في الواقع ، يتوقف على معرفة طبيعة الوالد ، وأخلاقه ، ولينه أو شدته ؛ فإن خفت مفسدة زائدة من مصارحتك له ، أو خفت ألا يتفهم الأمر على طبيعته ، ويقدر توبتك ، وحرصك على الخير ، أو أن ذلك سوف يفسد ما بينكما : فليس عليك أن تصارحيه ، ويكفيك أن تجتهدي في رد الحق في ماله ، واجتهدي في الإحسان إليه ، وبره ، والدعاء له .
ثانيا :
من كان عليه دين فعليه المبادرة إلى سداده ، وسداده مقدم على كافة أعمال البر المالية التطوعية ، فنحن لا ننصحك أن تتبرعي بشيء من مالك ، إلا بعد سداد دينك ، أو التحلل من والدك .
وينظر جواب السؤال رقم : (115699) .
وعلى كل حال :
فنحن لا نعلم عن الحال التي تحوجك إلى النفقة على نفسك ؛ فالمرأة إذا كانت متزوجة فإنما نفقتها الواجبة على زوجها ، وإن لم تكن متزوجة : فنفقتها على أبيها ، وفي ماله ؛ فلا تكلفي نفسك أمرا زائد عما يلزمك .
ثم احمدي الله تعالى أن وفقك للتوبة ، فاسعي فيها بجدّ وحسن ظن بالله وأبشري ، ولا يشغلنك الشيطان عن ذلك بما يلقيه في نفسك من الوساوس ، والهواجس .
والله تعالى أعلم .