الحمد لله.
والمهر يمكن أن يكون مالاً –
كذهب أو نقد أو متاع - ، ويمكن أن يكون خدمة أو منفعة يؤديها الزوج للزوجة ،
كتعليمها القرآن ، أو الحج بها .
وقد سبق بيان ذلك في الفتوى رقم (101758)
.
ثانيا:
طلب خطيبتك أن يكون مهرها حفظ سورة الملك : إن كان المقصود أن تقوم أنت بتعليمها
سورة الملك حتى تحفظها هي ؛ فذلك محل خلاف بين أهل العلم , جاء في الموسوعة الفقهية
الكويتية (17 / 324) :
" اختلف الفقهاء في جواز جعل تحفيظ القرآن الكريم صداقا للمرأة:
فذهب الحنفية والمالكية في المشهور عندهم وأحمد في رواية عنه : إلى عدم جواز جعل
تحفيظ القرآن الكريم صداقا للمرأة، لأن الفروج لا تستباح إلا بالأموال ، لقوله
تعالى: ( وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين ) ولأن
تحفيظ القرآن الكريم لا يجوز أن يقع إلا قربة لفاعله.
وذهب الشافعية وهو خلاف المشهور عند بعض المالكية وأحمد في رواية عنه إلى جواز جعل
تحفيظ القرآن الكريم صداقا للمرأة " لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوج رجلا
امرأة بما معه من القرآن" انتهى
والراجح جواز ذلك ؛ بدليل ما رواه البخاري ( 5030) ومسلم (1425) عن سهل بن سعد أن
امرأة جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله جئت لأهب لك نفسي فنظر
إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فصعد النظر إليها وصوبه ثم طأطأ رأسه , فلما
رأت المرأة أنه لم يقض فيها شيئا جلست , فقام رجل من أصحابه فقال يا رسول الله إن
لم يكن لك بها حاجة فزوجنيها , فقال : هل عندك من شيء , فقال: لا والله يا رسول
الله , قال: اذهب إلى أهلك فانظر هل تجد شيئا؟ فذهب ثم رجع , فقال: لا والله يا
رسول الله ما وجدت شيئا , قال انظر ولو خاتما من حديد فذهب ثم رجع , فقال: لا والله
يا رسول الله ولا خاتما من حديد , ولكن هذا إزاري قال سهل : ما له رداء . فلها نصفه
, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تصنع بإزارك إن لبسته لم يكن عليها منه شيء
وإن لبسته لم يكن عليك شيء , فجلس الرجل حتى طال مجلسه ثم قام , فرآه رسول الله صلى
الله عليه وسلم موليا فأمر به فدعي , فلما جاء قال ماذا معك من القرآن قال معي سورة
كذا وسورة كذا وسورة كذا عدها قال أتقرؤهن عن ظهر قلبك قال نعم قال اذهب فقد
ملكتكها بما معك من القرآن )
جاء في الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع (2 / 425): " (ويجوز أن يتزوجها على منفعة
معلومة) تُستوفى بعقد الإجارة ، كتعليم فيه كلفة ، وخياطة ثوب ، وكتابة ونحوها
...... وإطلاق التعليم فيما تقدم : شامل لما يجب تعلمه ، كالفاتحة وغيرها ، والقرآن
والحديث والفقه والشعر والخط وغير ذلك مما ليس بمحرم" انتهى.
وبعض العلماء يقيد جواز جعل تعليم القرآن مهرا بما إذا لم يكن للرجل مال , جاء في
فتاوى اللجنة الدائمة - 1 (19 / 35) : " يصح أن يجعل تعليم المرأة شيئا من القرآن
مهرا لها عند العقد عليها إذا لم يجد مالا، لما ثبت في الصحيحين عن سهل بن سعد رضي
الله عنه: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جاءته امرأة فقالت: إني وهبت نفسي
لك، فقامت طويلا، فقال رجل: يا رسول الله: زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة، فقال: هل
عندك من شيء تصدقها؟ فقال: ما عندي إلا إزاري، فقال رسول الله -صلى الله عليه
وسلم-: إزارك إن أعطيتها إياه جلست ولا إزار لك فالتمس شيئا قال: لا أجد، قال:
التمس ولو خاتما من حديد فالتمس فلم يجد شيئا، فقال رسول الله -صلى الله عليه
وسلم-: "زوجتكها بما معك من القرآن متفق عليه" انتهى.
أما إن كان المقصود أن يكون المهر أن تحفظ أنت سورة الملك ، أو يكون المهر مجرد تلاوتكما لسورة الملك كل ليلة : فهذا لا يجوز ؛ لأن المهر يجب أن يكون مُتَمَولا [ شيء له قيمة مالية ] . جاء في حاشية البجيرمي على الخطيب (3 / 444): ( وليس لأقل الصداق ولا لأكثره حد ؛ بل ضابطه : كل ما صح كونه مبيعا ، عوضا أو معوضا : صح كونه صداقا ، ومالا ، فلا [ يعني : وما لا يصح كونه مبيعا : لا يصح كونه مهرا ] !! فلو عقد بما لا يتمول ، ولا يقابَل بمتمول ، كحبتي حنطة : لم تصح التسمية ، ويرجع لمهر المثل ) انتهى.
والحاصل :
أن الأحوط لكما ، على كل حال : أن يكون لها مهر ، ولو كان شيئا يسيرا ، من ذهب أو
نقد ، أو نحو ذلك ؛ مهما قلت قيمته ، أو علت ، مما تتراضيان عليه ؛ ثم يكون لها بعد
ذلك أن تشترط عليك ذلك الشرط ، ما أطقتكما ذلك ، ولم يمنعكما عنه مانع .
ثالثا:
فساد المهر لا يفسد النكاح ، على الراجح من كلام أهل العلم , جاء في الحاوي الكبير
(9 / 461): " فساد الصداق لا يوجب فساد النكاح، ويكون لها مهر مثلها " انتهى.
وفي نهاية المطلب في دراية المذهب (13 / 6): " لا يفسد النكاح بفساد الصداق ، على
المذهب الصحيح " انتهى.
وفي الوسيط للغزالي (5 / 228): " وقاعدة الباب : أن النكاح لا يفسد بفساد الصداق ؛
لأن المذهب الصحيح أن النكاح الخالي عن ذكر الصداق : ينعقد موجِبا للصداق ، تعبدا ؛
فلا يؤثر ذكر الصداق إلا في التعيين والتقدير ، فيفسد التعيين والتقدير ، ويبقى
وجوب مهر المثل " انتهى.
والله أعلم.