الحمد لله.
ثانيا :
قال أبو بكر الخلال رحمه الله في كتاب "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" (ص 88) :
أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ الوراق ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ
مُوسَى الْحَدَّادُ، وَكَانَ صَدُوقًا، وَكَانَ ابْنُ حَمَّادٍ الْمُقْرِيءُ
يُرْشِدُ إِلَيْهِ ، فَأَخْبَرَنِي قَالَ: " كُنْتُ مَعَ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ،
وَمُحَمَّدِ بْنِ قُدَامَةَ الْجَوْهَرِيِّ فِي جَنَازَةٍ ، فَلَمَّا دُفِنَ
الْمَيِّتُ جَلَسَ رَجُلٌ ضَرِيرٌ يَقْرَأُ عِنْدَ الْقَبْرِ، فَقَالَ لَهُ
أَحْمَدُ: يَا هَذَا إِنَّ الْقِرَاءَةَ عِنْدَ الْقَبْرِ بِدْعَةٌ ، فَلَمَّا
خَرَجْنَا مِنَ الْمَقَابِرِ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ قُدَامَةَ لِأَحْمَدَ بْنِ
حَنْبَلٍ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ، مَا تَقُولُ فِي مُبَشِّرٍ الْحَلَبِيِّ ؟ ،
قَالَ: ثِقَةٌ ، قَالَ: كَتَبْت عَنْهُ شَيْئًا؟ قُلْتُ: نَعَمْ ، قَالَ:
فَأَخْبَرَنِي مُبَشِّرٌ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْعَلَاءِ بْنِ
اللَّجْلَاجِ ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ أَوْصَى إِذَا دُفِنَ أَنْ يُقْرَأَ عِنْدَ
رَأْسِهِ بِفَاتِحَةِ الْبَقَرَةِ ، وَخَاتِمَتِهَا، وَقَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ
عُمَرَ يُوصِي بِذَلِكَ ، فَقَالَ أَحْمَدُ: ارْجِعْ فَقُلْ لِلرَّجُلِ يَقْرَأُ "
انتهى .
وهذا إسناد لا يحتج به ، الحسن بن أحمد الوراق : مجهول ، وكذا شيخه .
قال الشيخ الألباني رحمه الله :
" في ثبوت هذه القصة عن أحمد نظر، لأن شيخ الخلال الحسن بن أحمد الوراق لم أجد له
ترجمة فيما عندي الآن من كتب الرجال، وكذلك شيخه علي بن موسى الحداد لم أعرفه، وإن
قيل في هذا السند إنه كان صدوقا، فإن الظاهر أن القائل هو الوراق هذا، وقد عرفت
حاله " انتهى من "أحكام الجنائز" (192) .
وقال الخلال أيضا :
وَأَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ صَدَقَةَ ، قَالَ: سَمِعْتُ عُثْمَانَ بْنَ
أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْمَوْصِلِيَّ، قَالَ: " كَانَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ
أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي جَنَازَةٍ وَمَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ قُدَامَةَ
الْجَوْهَرِيُّ قَالَ: فَلَمَّا قُبِرَ الْمَيِّتُ جَعَلَ إِنْسَانٌ يَقْرَأُ
عِنْدَهُ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ لِرَجُلٍ: تَمُرُّ إِلَى ذَلِكَ الرَّجُلِ
الَّذِي يَقْرَأُ، فَقُلْ لَهُ: لَا تَفْعَلْ. فَلَمَّا مَضَى قَالَ لَهُ مُحَمَّدُ
بْنُ قُدَامَةَ: مُبَشِّرٌ الْحَلَبِيُّ كَيْفَ هُوَ؟ ... فَذَكَرَ الْقِصَّةَ
بِعَيْنِهَا .
وعثمان الموصلي لم نجد له ترجمة ، فلا يحتج بروايته أيضا .
ثم إن الإسناد المذكور في
القصة إلى ابن عمر ضعيف أيضا ، لا يصح ، ويبعد عن مثل الإمام أحمد أن يحتج به في
إثبات حكم شرعي .
فعبد الرحمن بن العلاء بن اللجلاج مجهول ، قال الذهبي في "ميزان الاعتدال" (2/ 579)
: " ما روى عنه سوى مبشر بن إسماعيل " .
وقال الحافظ ابن حجر في "التقريب" (ص348) : " مقبول " ؛ يعني عند المتابعة ، وإلا،
فليّن الحديث ؛ كما نص عليه في المقدمة . ولم يتابعه أحد على هذه الرواية .
وينظر : "أحكام الجنائز" ، الموضع السابق .
والمشهور عن الإمام أحمد
الذي يرويه عنه كبار أصحابه : النهي عن القراءة عند القبور .
قال أبو داود في "مسائله" (ص224) : " سمعت أحمد، سئل عن القراءة عند القبر؟ فقال:
لا ".
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" نَقَلَ الْجَمَاعَةُ عَنْ أَحْمَدَ كَرَاهَةَ الْقُرْآنِ عَلَى الْقُبُورِ.
وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ السَّلَفِ وَعَلَيْهَا قُدَمَاءُ أَصْحَابِهِ " انتهى من
"الفتاوى الكبرى" (5 /362) .
والله أعلم .