الحمد لله.
ثانيا :
من وقع في هذه المعاملة الربوية المحرمة ، ثم أراد أن يتوب من ذلك ، فعليه أن يتخلص
من هذه الفوائد المحرمة ، فينفقها على الفقراء والمساكين أو المشاريع الخيرية التي
تقام للمصالح العامة كالمستشفيات والمدارس ودور اليتامى ونحو ذلك .
قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
" يجب التخلص من الفوائد البنكية ؛ لأنها من الربا المحرم ، فتصرف في الجهات العامة
للمسلمين ، مثل دفعها للفقراء والمساكين تخلصا منها " انتهى من "فتاوى اللجنة
الدائمة" (16 /532) .
من هنا تعلم - أيها السائل
الكريم – أن من تاب من المعاملات الربوية وأراد إنفاقها في علاج مرضى السرطان فذلك
جائز ؛ لأن هذا من أوجه البر والمعروف .
يبقى بعد ذلك النظر فيما ذكرته من كون المستشفى في بلد أجنبي , فإن كان هؤلاء
المرضى الذين يعالجون فيها كفارا محاربين للمسلمين : فلا يجوز دفع هذه الفوائد لهم
، لأن هذا يكون من باب إعانتهم على كفرهم وبغيهم .
أما إن كانوا مسلمين فيجوز لك دفع هذا المال لعلاجهم , وكذا لو كانوا كفارا مسالمين
للمسلمين غير محاربين لهم ؛ لأن علاجهم من جنس البر والقسط والإحسان الذي حث عليه
الشرع الحنيف لعموم الناس .
وقد نص أهل العلم على أن
الصدقة المندوبة يجوز دفعها للكافر غير الحربي , فقد سئل الشيخ ابن عثيمين – رحمه
الله - هل تجوز الصدقة على الكافر؟
فأجاب
اقرأ قول الله تعالى في سورة الممتحنة : ( لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ
لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ
تَبَرُّوهُمْ ) وهذا إحسان ( وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ) [الممتحنة:8] وهذا عدل.
فتجوز الصدقة على الكافر بشرط: ألا يكون ممن يقاتلوننا في ديننا، ولم يخرجونا من
ديارنا، لكن إذا كان قومه يقاتلوننا في الدين ، أو يخرجوننا من ديارنا : فلا نتصدق
عليه؛ لأننا إذا تصدقنا عليه وفرنا وجبة من الوجبات، والوجبة تكون بعشرة ريالات،
العشرة هذه يوفرها لدولته ، ويستعين الكفار بها على المسلمين، فإذا كان من قوم لا
يقاتلوننا في دين الله ، ولا يخرجوننا من ديارنا ، فلا بأس أن نتصدق عليه.
أو إذا كان ممن يرجى إسلامه؛ يعني: بعض الكفار الذين يأتون إلى هذه البلاد تلين
قلوبهم ويرجى إسلامهم، والمال مما يجلب المودة، قال في الحديث: ( تهادوا تحابوا )
وكما جعل الله المؤلفة قلوبهم من مصارف الزكاة؛ لأن هذا يقربهم، وفعلاً هذا وقع،
بعض الكفار أسلم لما رأى لين المعاملة من بعض كفلائهم ، وأنه يهدي إليه ويتصدق عليه
: أسلم، فإذا كان يرجى إسلامه بعطية أو بهديه إليه فلا بأس" انتهى من لقاء الباب
المفتوح .
فإذا جاز دفع الصدقة المندوبة إلى الكفار غير المحاربين ، وفيها معنى القربة ؛ فدفع
هذه الفوائد إليهم جائز من باب أولى ؛ لأن إخراج هذه الفوائد لا يكون بقصد الصدقة
والقربة ؛ لأن الله سبحانه طيب لا يقبل إلا طيبا وإنما يكون بنية التخلص من المال
الحرام .
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة 1 (13 / 353) عند الحديث عن المال المكتسب من الربا
"ولا تجوز الصدقة منه؛ لأن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، لكن إن كان قد قبض الفوائد
الربوية فعليه أن يصرفها على الفقراء؛ تخلصا منها " انتهى.
ولكن مع هذا ، فلا شك أن وضع هذا المال في بلاد المسلمين : أولى وأنفع ، وتحري نفع
المسلمين به : أعظم في الأجر ، وبلاد المسلمين أشد فقرا وحاجة ، وهي أولى بذلك .
فإن تعذر ذلك ، فصرفها للمصارف الخاصة بالمسلمين : كالمراكز الإسلامية أولى ، وهي
أيضا أحوج إلى مثل هذا المال .
والله أعلم.