الحمد لله.
والقول الثاني : أنه يجب
العدل بين الزوجات في النفقة ؛ لقوله تعالى: ( فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ )
سورة النساء /129.
قال القرطبي ـ رحمه الله ـ : قال مجاهد: لا تتعمدوا الإساءة ، بل الزموا التسوية في
القسم والنفقة ؛ لأن هذا مما يُستطاع " انتهى من " الجامع لأحكام القرآن " (5/407)
.
وقال ابن العربي ـ رحمه الله ـ : " قال العلماء : أراد تعمد الإتيان , وذلك فيما
يملكه وجعل إليه , من حسن العشرة والقسم والنفقة ونحوه من أحكام النكاح " انتهى من
" أحكام القرآن " (1/635).
وقال الصنعاني رحمه الله : " والمراد : الميل في القسم والإنفاق ، لا في المحبة " .
انتهى من " سبل السلام " (2/238).
واستدلوا أيضًا بقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( مَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ
فَمَالَ إِلَى إِحْدَاهُمَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ ) رواه
أبو داود (2133) ، والنسائي (3881) وصححه الشيخ الألباني.
قال الشوكاني ـ رحمه الله ـ : " قوله " يميل لإحداهما " فيه دليل على تحريم الميل
إلى إحدى الزوجتين دون الأخرى ، إذا كان ذلك في أمر يملكه الزوج ، كالقسمة والطعام
والكسوة ، ولا يجب على الزوج التسوية بين الزوجات فيما لا يملكه ، كالمحبة ونحوها
... وقد ذهب أكثر الأئمة إلى وجوب القسمة بين الزوجات " انتهى من " نيل الأوطار "
(6/258).
وهذا القول أقرب للصواب ، ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، واختاره الشيخ
السعدي ، والشيخ ابن باز ، والشيخ ابن عثيمين ، وعلماء اللجنة الدائمة .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ : " وأما العدل في " النفقة والكسوة " فهو
السنة أيضًا اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ، فإنه كان يعدل بين أزواجه في
النفقة ؛ كما كان يعدل في القسمة ؛ مع تنازع الناس في القسم : هل كان واجبا عليه ؟
أو مستحبا له ؟ وتنازعوا في العدل في النفقة : هل هو واجب ؟ أو مستحب ؟ ووجوبه أقوى
وأشبه بالكتاب والسنة " .
انتهى من " مجموع الفتاوى " (32/270) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ
كيف يتحقق العدل بين الزوجات ؟
فأجاب : " يتحقق العدل بين الزوجات بأن لا تعامل إحداهن معاملة تختلف عن الأخرى ،
فيما أنت تملكه وتستطيعه ، فلا تعطي مثلاً هذه عشرة والأخرى عشرين ، أو هذه ثوباً
جميلاً والأخرى ثوباً وسطاً ، أو تعطي هذه حلياً والأخرى لا تعطيها ، أو تلين
الجانب لهذه والأخرى لا تلينه لها ؛ فكل شيء تستطيع أن تقوم به من العدل : فإن ميلك
إلى إحداهن يعتبر جوراً وظلماً ، وتعتبر معرضاً نفسك للعقوبة التي ذكرها رسول الله
صلى الله عليه وسلم .
أما ما لا يدخل تحت وسعك من محبة القلب والميل القلبي ، وما ينتج عن ذلك من معاشرة
حال الجماع ونحوه : فهذا أمر ليس بوسعك ، وقد قال الله تعالى : ( لا يُكَلِّفُ
اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا )". انتهى من فتاوى " نور على الدرب ".
وبناء على القول الراجح : فإن المرأة لا يحل لها أن تشترط على زوجها أن يفضلها على
غيرها من أزواجه ، في النفقة أو الكسوة ، أو نحو ذلك ؛ فإن فعلت : فهو شرط فاسد ،
لا يحل له الوفاء لها به .
وأما الوطء : فإن مداره على
الميل والنشاط والقدرة ، وهذا أمر ليس بوسع الإنسان كما هو الحال في ميل القلب ؛
وإنما لها عليه من ذلك أن يكفيها فيه بالمعروف ، بحسب طاقته على ذلك ، ونشاطه لها ،
ومثل هذا لا يظهر أن يتقيد فيه بشرط .
قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ : " وفي هذا [ أي: العدل في الوطء ] تفصيل ، وهو أنه
إن تركه لعدم الداعي إليه ، وعدم الانتشار : فهو معذور .
وإن تركه مع الداعي إليه ، ولكن داعيه إلى الضرة أقوى : فهذا مما يدخل تحت قدرته
وملكه ؛ فإن أدى الواجب عليه منه : لم يبق لها حق ، ولم يلزمه التسوية . وإن ترك
الواجب منه : فلها المطالبة به " انتهى من " زادا المعاد " (5/138) ، وينظر المغني
" ( 7 / 235 ).
وقال الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ : " لو قال إنسان: إنه رجل ليس قوي الشهوة :
إذا جامع واحدة في ليلة ، لا يستطيع أن يجامع الليلة الثانية ـ مثلًا ـ أو يشق عليه
ذلك ، وقال سأجمع قوتي لهذه دون تلك ، فهذا لا يجوز ؛ وذلك لأن الإيثار هنا ظاهر،
فهو يستطيع أن يعدل .
فالمهم أن ما لا يمكنه القسم فيه فلا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، وما يمكنه فإنه
يجب عليه أن يقسم " انتهى من " الشرح الممتع "(12/428) .
والحاصل :
أننا لا نرى لك نكاح هذه المرأة بما ذكرت من الشروط ؛ فإنها إما اشترطت عليك ما لا
يحق لها ، فلا يحل لكما الدخول فيه ابتداء ، وإما شرطت أمرا ، يغلب على الظن أن
يؤدي إلى الإضرار بغيرها ، وترك توفيتها حقها .
ولم يضيق الله عليك ، والنساء سواها كثير ، متى ما أردت أن تتزوج ؛ فاظفر بذات
الدين ، التي تحثك على الخير ، ولو لم يكن واجبا ، وتحب لغيرها ما تحب لنفسها من
الخير .
والله أعلم .