الحمد لله.
ثانيا :
الزواج لا بدّ فيه من المهر ( الصَدَاق ) ، ولا بد أن يكون المهر مالا ، أو شيئا له
قيمة مالية يقدمه الزوج لزوجته .
وقد جاء التصريح بماليته في قوله تعالى بعد أن ذكر المحرمات من النساء : (
وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ
غَيْرَ مُسَافِحِينَ ) النساء/24 .
قال القرطبي رحمه الله : " ( بِأَمْوَالِكُم ) أباح اللّه تعالى الفروج بالأموال
ولم يفصل ، فوجب إذا حصل بغير المال ألّا تقع الإباحة به ؛ لأنّها على غير الشّرط
المأذون فيه " انتهى من " تفسير القرطبي " (6/211) .
وقال ابن العربي رحمه الله
في " أحكام القرآن " (1/497) :
" لمّا أمر الله تعالى بالنكاح بالأموال لم يجز أن يبذل فيه ما ليس بمال " انتهى .
وقال ابن عبد البر رحمه الله : " وأجمع علماء المسلمين أنه لا يجوز وطء في نكاح بغير صداق مسمّى دينا ، أو نقدا " انتهى من " الاستذكار " (16/67) .
ويصح أن يكون الصداق أن يعلمها زوجها شيئا من القرآن أو غيره من العلوم ؛ لأن هذا التعليم والجهد والوقت يقوم بالمال ، ولما جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تهب نفسها له ، ولم يرغب فيها ، قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَنْكِحْنِيهَا . قَالَ : هَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَىْءٍ ؟ قَالَ : لاَ . قَالَ : اذْهَبْ فَاطْلُبْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ . فَذَهَبَ وَطَلَبَ ، ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ : مَا وَجَدْتُ شَيْئًا ، وَلاَ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ . فَقَالَ : هَلْ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ شَىْءٌ ؟ قَالَ : مَعِي سُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا . قَالَ : اذْهَبْ فَقَدْ أَنْكَحْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ ) رواه البخاري ( 5149 ) .
فقوله صلى الله عليه وسلم :
( فَقَدْ أَنْكَحْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ ) معناه : أن يعلمها ما معه
من القرآن . كما جاء ذلك صريحا عند الإمام مسلم ( 1425 ) : ( انْطَلِقْ فَقَدْ
زَوَّجْتُكَهَا ، فَعَلِّمْهَا مِنَ الْقُرْآنِ ) .
فيكون مهرها هو التعليم ؛ والتعليم منفعة يمكن تقويمها ماليا .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" إذا أصدقها تعليم قرآن فإنه يصح ؛ لأن التعليم ليس هو القرآن ... فهذا رجل يريد
أن يعلِّم ، والتعليم عمل وتفرغ للمعلِّم ، ففي الحقيقة أنني ما جعلت القرآن عوضا
حتى يقال : إنه لا يصح أن يكون عوضا ، إنما جعلت التعليم الذي فيه معاناة وتلقين
ووقت مهرا " انتهى من " الشرح الممتع " (12/259) .
وقال الشيخ ابن باز رحمه
الله :
" المشروع أن يكون المهر مالاً ، كما قال الله جل وعلا : ( أَنْ تَبْتَغُوا
بِأَمْوَالِكُمْ ) ، والنبي صلى الله عليه وسلم لما جاءته المرأة التي وهبت نفسها
فلم يقبلها ، وأراد أن يزوجها بعض أصحابه ، قال: ( التمس ولو خاتمًا من حديد )
المشروع أن يكون هناك مال ولو قليلاً فإذا كان الزوج عاجزًا ، ولم يجد مالاً جاز
على الصحيح أن يزوج بشيء من الآيات يعلمها المرأة ، أو شيء من السور يعلمها المرأة
. وتكون تلك الآيات أو تلك السور مهرًا لها ، ولا حرج في ذلك . ولهذا زوج النبي صلى
الله عليه وسلم المرأة الواهبة ، زوّجها بعض أصحابه على أن يعلمها من القرآن كذا
وكذا فهذا كله لا بأس به ، لكن إذا تيسر المال فالمال مقدم ولو قليلاً ، فالتّعليم
بعد ذلك ، إذا أرادت أن يعلمها زوجها ، فليعلمها ما تيسّر . هذا من باب المعاشرة
الطيبة . أن يعلمها ويرشدها ويتعاون معها على الخير ، هذا شيء آخر . والله يقول : (
وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) ، ويقول سبحانه : ( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي
عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) ، فإذا عاشرها معاشرة تتضمن تعليمها القرآن ، تعليمها
السنة ، تعليمها أحكام الله ، فهذا خير كثير ، لكن لا يكتفي بهذا المهر إلا عند
الحاجة ، والعجز عن المال " انتهى من " فتاوى نور على الدرب " (20/485 – 486 - 487
) .
ومحافظة الزوج على الصلاة ليست منفعة يقدمها الزوج لزوجته حتى تكون مهرا لها ، فمثل هذا لا يصح أن يكون مهرا .
ثالثا :
المستحب في المهر تيسيره وعدم المغالاة فيه اتباعا لهدي النبي صلى الله عليه وسلم .
وكلما كان الصداق يسيرا كان ذلك سببا لحصول البركة واليسر في أمر الزواج ، وانظري
لمزيد الفائدة إلى جواب السؤال رقم : (10525)
.
فالنصيحة لك أيتها السائلة أن تطلبي مهرا يسيرا ، حتى يبارك الله لك ، والأهم من ذلك أن تشترطي على زوجك أن يكون محافظا على الصلاة مستقيما في دينه .
نسأل الله تعالى أن يوفقك
لكل خير ، وأن يبارك لكما .
ولمزيد الفائدة راجعي الفتوى رقم : (151108)
.
والله أعلم .