تنازلت عن نصيبها في التركة مقابل ما كتبه لها والدها قبل وفاته ولكن أبناءها يطالبون بالقسمة
سؤالي متعلق بنزاع حصل حول توزيع التركة ، فهناك رجل اسمه (**) لديه ابن ، وبنت ؛ حيث قام هذا الرجل في أثناء حياته بإعطاء ابنته بعض ممتلكاته ، وترك الباقي ليؤول إلى ولده عبد الرحمن ، وبعد وفاة الأب ، سأل عبد الرحمن أخته إن كان لها حقاً تريد المطالبة به من تركة الأب ، وذلك حتى يعطيها إياه ، فأجابت بأنّها قد حصلت على كامل حقها في حياة والدهما، وأنّ كل ما تبقى هو حق له ، لكن المشكلة بدأت عندما بدأ أبناء ابنته بمطالبة أبناء خالهم ، الذي لا يزال حياً ، بتوزيع التركة حسب الشرع ، ولكن دون علم والدتهم ، لعلمهم بأنها لن توافق على ذلك ، وستقول بأنها حصلت على حقها قبل وفاة جدهم .
سؤالي هو: ما حكم الشرع في هذه الحالة ؟
الجواب
الحمد لله.
إذا كانت الأم " أخت عبد الرحمن " قد تنازلت عن المطالبة بأي نصيب لها في الميراث
ورضيت بما كتبها لها والدها في حياته ، مقابل أن يؤول ما بقي لأخيها عبد الرحمن ،
وهي بالغة عاقلة رشيدة ، لم يستكرهها أحد على شيء : فليس لأبنائها المطالبة بغير ما
رضيت به الأم ، لا في حياتها ولا بعد ذلك ، وسواء كان ما أخذته مساويا لنصيبها
الشرعي من الميراث أو أقل أو أكثر ؛ لأن البالغ الرشيد إذا تنازل عن حقه ، فليس
لغيره المطالبة به ، كما أنه ليس لها هي أن تطالب بعد ذلك بما أسقطته عن طيب نفس ؛
لأن القاعدة الفقهية أن " الساقط لا يعود " ؛ فمن تنازل عن حق له على غيره ، وأبرأه
منه ، وأسقطه عنه : فإنه لا حق له في المطالبة به بعد ذلك .
وأما إذا كان أخوها عبد الرحمن يعلم أن ما أخذته أخته هو أقل من نصيبها شرعا في
التركة - والذي يجب تقديره بيوم وفاة والدهم - وأنها ما وافقت على ذلك إلا حياء ،
أو خشية الدخول معه في إشكالات تؤول إلى التقاطع ، أو خوف ملامة من المجتمع الذي قد
يظلم المرأة في ميراثها ، أو لأنها تعلم أنها لن تمكن إلا من ذلك : فالواجب عليه أن
يعطيها تمام نصيبها , لأن التنازل في هذه الأحوال غير معتبر؛ لقول النبي صلى الله
عليه وسلم : ( لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ ) رواه أحمد
(20172) ، وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (1459) .
قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله :
" الإلحاح على البنات حتى يتركن إرثهن لإخوانهن : هذا لا يجوز، لا سيما وأنك ذكرت
أنهن يتركنه حياءً ومجاملة ، فيكون هذا قريب من الإكراه فلا يجوز مثل هذا العمل ،
بل الله سبحانه وتعالى أعطى البنات حقهن ، كما قال سبحانه : ( يُوصِيكُمُ اللَّهُ
فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً
فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا
النِّصْفُ )[النساء: 11] ، فالله جل وعلا جعل للبنات نصيبًا من الميراث ، وجعل
للأولاد نصيبًا من الميراث ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله قد أعطى كل
ذي حق حقه ، والبنت قد تكون أحوج إلى الميراث من الولد ، لضعفها وعجزها عن
الاكتساب ، خلاف الولد ، فإنه يقوى على الاكتساب ، وعلى السفر وطلب الرزق ".
انتهى من " مجموع فتاوى فضيلة الشيخ صالح بن فوزان" (2/ 625) .
وللفائدة في مسألة حكم توزيع الأب التركة على ورثته في حياته ينظر : (164375) .
والله أعلم .