ما حكم نشيد ( يا إمام الرسل يا سندي) ؟.
عمي شيخ كبير في السن ، يصر أن نحضر مجالس ، يسميها الحضرة ، تبدأ بتلاوة ما تيسر من القران ، ثم قصائد تمدح النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكن لفت انتباهي نشيد يقول فيه : ( يا إمام الرسل يا سندي / أنت باب الله معتمدي / وبدنياي وآخرتي / يا إمام الرسل خذ بيدي ) .
هل هذا مشروع أو حرام ؟
وهل نستطيع حضور هذه المجالس ، مرة في السنة ، حيث يعيش بعيدا عنا ، ويزورنا مرة كل عام ، بنية تجنب المشاكل ، ومحاولة إرضائه ؟
لقد حاولت نصحه فنهرني ، وقال : نحن نحب النبي ولا نعبده .
الجواب
الحمد لله.
لا يجوز أن يدعى النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأن الدعاء عبادة لا تكون إلا لله عز
وجل ، فإذا كان ذلك بعد وفاته ، كان أبعد ، وأدخل في البدعة والضلال ؛ قال الله
تعالى : ( وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ *
إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا
لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ
خَبِيرٍ) فاطر/13-14 .
وينظر جواب السؤال رقم : (111019) .
ولا شك أن قول القائل : " يا إمام الرسل يا سندي ، يا إمام الرسل خذ بيدي " ، هو من
دعاء غير الله عز وجل ، وهو من أعمال الشرك التي يجب على العبد أن يتجنبها .
قال الشيخ ابن باز رحمه الله : " كل من مات لا يدعى ولا يطلب منه الشفاعة لا النبي
ولا غيره ، وإنما الشفاعة تطلب منه في حياته " .
انتهى من "مجموع فتاوى ابن باز" (6/191) .
وليلعم أن قصائد المدح التي تنشد في حضرات الصوفية ، عادة ما تشتمل على الغلو في
الممدوح ، نبياً كان أو غيره ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لَا
تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ
فَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ ) رواه البخاري (3445) .
ومحبة النبي صلى الله عليه وسلم لا تكون بدعائه من دون الله وسؤاله الحاجات ، ولا
بهذه القصائد المبتدعة التي تشتمل غالباً على الغلو فيه والإشراك به ، إنما تكون
محبته باتباعه والاقتداء به .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" وَكَثِيرٌ مِنْ السَّالِكِينَ سَلَكُوا فِي دَعْوَى حُبِّ اللَّهِ أَنْوَاعًا
مِنْ أُمُورِ الْجَهْلِ بِالدِّينِ ؛ إمَّا مِنْ تَعَدِّي حُدُودِ اللَّهِ ؛
وَإِمَّا مِنْ تَضْيِيعِ حُقُوقِ اللَّهِ ، وَإِمَّا مِنْ ادِّعَاءِ الدَّعَاوَى
الْبَاطِلَةِ الَّتِي لَا حَقِيقَةَ لَهَا .
وَاَلَّذِينَ تَوَسَّعُوا مِنْ الشُّيُوخِ فِي سَمَاعِ الْقَصَائِدِ
الْمُتَضَمِّنَةِ لِلْحُبِّ وَالشَّوْقِ وَاللَّوْمِ وَالْعَذْلِ وَالْغَرَامِ :
كَانَ هَذَا أَصْلَ مَقْصِدِهِمْ .
وَلِهَذَا أَنْزَلَ اللَّهُ لِلْمَحَبَّةِ مِحْنَةً ، يَمْتَحِنُ بِهَا الْمُحِبَّ
فَقَالَ : ( قُلْ إنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ
اللَّهُ ) فَلَا يَكُونُ مُحِبًّا لِلَّهِ إلَّا مَنْ يَتَّبِعُ رَسُولَهُ
وَطَاعَةُ الرَّسُولِ وَمُتَابَعَتُهُ تُحَقِّقُ الْعُبُودِيَّةَ .
وَكَثِيرٌ مِمَّنْ يَدَّعِي الْمَحَبَّةَ يَخْرُجُ عَنْ شَرِيعَتِهِ وَسُنَّتِهِ ،
وَيَدَّعِي مِنْ الْخَيَالَاتِ مَا لَا يَتَّسِعُ هَذَا الْمَوْضِعُ لِذِكْرِهِ .
وَلِهَذَا كَانَتْ مَحَبَّةُ هَذِهِ الْأُمَّةِ لِلَّهِ أَكْمَلَ مِنْ مَحَبَّةِ
مَنْ قَبْلَهَا وَعُبُودِيَّتُهُمْ لِلَّهِ أَكْمَلُ مِنْ عُبُودِيَّةِ مَنْ
قَبْلَهُمْ .
وَأَكْمَلُ هَذِهِ الْأُمَّةِ فِي ذَلِكَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ كَانَ بِهِمْ أَشْبَهَ كَانَ ذَلِكَ فِيهِ أَكْمَلَ "
انتهى من "مجموع الفتاوى" (10/209-110).
فلا يجوز حضور هذه المجالس إلا للإنكار على أصحابها ، والواجب نصح عمكم بالحكمة
والموعظة الحسنة ، ونهيه عن هذه الأمور ، وإخباره أن ذلك من الشرك ودعاء غير الله .
وبإمكانكم أن تعوضوا حضور هذه الأماكن ، بدعوته إلى منزلكم ، وإكرامه ، والإلطاف له
، وتألف قلبه بالهدية ونحوها ، فلعل الله أن يهديه ، ويشرح صدره لترك ما هو عليه من
العمل البدعي .
وليعلم العبد أن رضا الناس غاية لا تدرك ، فليكن همه ، وسعيه ، وغاية أمره : رضا
الله تبارك وتعالى ، وإن كان في رضاه سخط الناس جميعا ، فلا يبالي .
كَتَبَ مُعَاوِيَةُ ، وهو أمير المؤمنين ، إِلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : " أَنْ اكْتُبِي إِلَيَّ كِتَابًا ، تُوصِينِي فِيهِ
وَلَا تُكْثِرِي عَلَيَّ ؟
فَكَتَبَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا : إِلَى مُعَاوِيَةَ ، سَلَامٌ
عَلَيْكَ ، أَمَّا بَعْدُ ؛ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( مَنْ الْتَمَسَ رِضَا اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ
كَفَاهُ اللَّهُ مُؤْنَةَ النَّاسِ ، وَمَنْ الْتَمَسَ رِضَا النَّاسِ بِسَخَطِ
اللَّهِ ، وَكَلَهُ اللَّهُ إِلَى النَّاسِ ) وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ !! " .
رواه الترمذي (2414) ، وصححه الألباني .
وينظر للفائدة : جواب السؤال رقم : (97800)
، (125690) .
والله أعلم .