الحمد لله.
جاء في " فتاوى اللجنة
الدائمة " (25/123-125) السؤال التالي :
السائل يعيش مع والديه في منزل واحد ، لكنه دائم الخصومة مع أمه والقطيعة لوالده ،
وسبب ذلك أن أمه تفضل أخاه الصغير ، فتصفه بأقبح الأوصاف ، وتشتمه بأقذع الشتائم
ولأتفه الأسباب ، فصارت عنده عقد نفسية ، وتتسامح مع أخيه ، ولو أساء أشد إساءة ،
فصار مدللا خاليا من العقد النفسية ، وكذلك والده يسيء إليه كثيرا ، لا يرد عليه
السلام إلا نادرا ، ويضربه أحيانا أمام الناس لأدنى سبب ، ولا يضرب أخاه الصغير ولو
اشتدت إساءته ، فهل يطالب من أساء إليه والداه بما يطالب به سائر الأبناء من البر
والصلة ، وهل يأثم بإثارة الخصومات مع أنه يجتهد في إبعاد الخصومات ، وكثيرا ما
يندم بعد وقوعها ويتصدق عنهما دون شعور منهما ، فهل يثابان بذلك ويثاب هو أيضا ،
وهل يخفف ذلك من ذنوبه ، مع أن هذه الصدقة قليلة جدا ؟
فكان الجواب :
" قد يكون الوالدان معذورين فيما حصل منهما ، وقد يكون لديهما اعتبارات في التشديد
على واحد من أولادهما دون آخر ، ككونه أكبر سنا ، وأرشد من غيره ، فالغلط منه أشد ،
وكتأديبه ليستقيم فيكون قدوة لإخوانه الصغار ، وعلى تقدير إساءتهما لا يجوز للولد
أن يقابل سيئتهما بالسيئة ، بل يقابلها بالحسنة ، عملا بقوله تعالى : ( ادْفَعْ
بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ
وَلِيٌّ حَمِيمٌ ) فصلت/34 .
وقوله : ( وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ
فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ
مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ
تَعْمَلُونَ ) لقمان/15 ،
فأمر الولد أن يصاحب والديه بالمعروف ولو جاهداه على أن يشرك بالله غيره ، والشرك
أكبر الكبائر ، وأمره أن يلزم سبيل الله المستقيم ، وأخبر بأن جزاء الجميع عنده
تعالى يوم القيامة ، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم ببر الوالدين ، وحذر من
عقوقهما وبين أن العقوق من أكبر الكبائر ، هذا وتُشكَر على الندم على ما فعلت من
إثارة الخصومات والقطيعة ، وعلى الصدقة عنهما ، ولو أعلنت ذلك لهما كان أرجى إلى
الوئام وحنانهما عليك ، ويرجى لك ولهما الأجر ومغفرة الذنوب بما قربت من الصدقة
عنهما ، وإن قَلَّت ، فإن الله يضاعف الحسنات ، وأما الوالدان فالواجب عليهما تحري
العدل بين أولادهما ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم
) " انتهى .
أسأل الله أن يوفقك ويفتح عليك أبواب رحمته وفضله .
والله أعلم .