هل تقرأ في كتب اليهود والنصارى ؟
سمعت أنه لا يجوز قراءة كتب اليهود والنصارى لأنها محرفة ، ولأننا لا نستطيع تمييز النصوص المحرفة فيها ، ولكنني قرأت في إحدى الفتاوى بأننا ننكر منها فقط ما يتعارض مع ديننا ، ونقبل منها ما يتوافق مع ديننا ، ونتوقف فيما سوى ذلك ، وأنّه لا ينبغي لأحد القيام بذلك إلا إذا كان من أهل العلم ، ولأغراض الدعوة .
ولكن ماذا عن المسلمين أمثالي ممن يعلمون بعض ما جاء في هذه الكتب ، كونهم نشؤوا كنصارى ، تراودني الكثير من الوساوس حول بعض النصوص في الإنجيل التي تصف الأنبياء ، فأنا أخشى أن أنكر أو أقبل أي شيء من هذه الأوصاف ، فأظن بنبي من الأنبياء ما لا يصح دون علم ، أنا أعلم أنّه يسهل القيام بذلك في بعض الأحيان عندما يذكر القرآن الكريم هذه التفاصيل ، ولكن ماذا عن الأحداث التي لا يوجد لها ذكر في القرآن .
هل يوجد هناك أي مرجع يمكن الاستفادة منه في مثل هذه الحالات ؟
الجواب
الحمد لله.
نصيحتنا لكل مسلم يعرف قيمة وقته وعمره وما أكرمه الله عز وجل به من الهداية لنور
الإيمان أن يشكر هذه النعمة ، ويعمرها حق عمارتها ، وذلك بالاشتغال بالعلم النافع
والعمل الصالح ، والتركيز على الاستكثار من عمل الخير في هذه الدنيا ، من تعلم
ودعوة ومعاملة حسنة للخلق وتربية وتأديب للنفس ، وعبادة لله سبحانه . ولا شك أن
العمر كله أقصر عن أن يتسع لجميع ذلك ، فلماذا يصر بعض الناس على ضياع أوقاتهم ،
وتشتت أعمالهم وأذهانهم فيما لا طائل وراءه ، كالقراءة في التوراة والإنجيل !!
يقول ابن القيم رحمه الله – فيما ينبغي على العبد تذكره -:
" العبد من حين استقرت قدمه في هذه الدار فهو مسافر فيها إلى ربه ، ومدة سفره هي
عمره الذي كُتب له ، فالعمر هو مدة سفر الإنسان في هذه الدار إلى ربه تعالى ، ثم قد
جعلت الأيام والليالي مراحل لسفره : فكل يوم وليلة مرحلة من المراحل ، فلا يزال
يطويها مرحلة بعد مرحلة حتى ينتهى السفر ، فالكيِّس الفَطنِ هو الذي يجعل كل مرحلة
نصب عينيه ، فيهتم بقطعها سالماً غانماً ، فإِذا قطعها جعل الأُخرى نصب عينيه ، ولا
يطول عليه الأمد فيقسو قلبه ، ويمتد أمله ، ويحضر بالتسويف والوعد والتأْخير والمطل
، بل يعد عمره تلك المرحلة الواحدة ، فيجتهد في قطعها بخير ما بحضرته ، فإنه إذا
تيقن قصرها وسرعة انقضائها : هان عليه العمل ، وطوَّعت له نفسه الانقياد إلى التزود
، فإذا استقبل المرحلة الأخرى من عمره : استقبلها كذلك ، فلا يزال هذا دأبه حتى
يطوى مراحل عمره كلها ، فيحمد سعيه ويبتهج بما أَعده ليوم فاقته وحاجته ، فإذا طلع
صبح الآخرة وانقشع ظلام الدنيا ، فحينئذ يحمد سراه وينجلي عنه كراه ، فما أَحسن ما
يستقبل يومه ، وقد لاح صباحه ، واستبان فلاحه " .
انتهى من " طريق الهجرتين " (ص/185) .
أما المختص الذي يسر الله له التعمق في هذا المضمار ، من طلاب الجامعات والدراسات
العليا والباحثين في المؤسسات البحثية ، فهؤلاء لا حرج عليهم في القراءة في جميع
الكتب التي تدخل في اختصاصهم ، سواء كانت إسلامية أم يهودية أم مسيحية ، وذلك كي
يؤدوا فرض الكفاية عن الأمة جميعها في تكوين العارفين بجميع التخصصات الحيوية اليوم
، سواء كانت علمية أم إنسانية.
يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" الأَوْلى في هذه المسألة التفرقة : بين من لم يتمكن ويصر من الراسخين في الإيمان
، فلا يجوز له النظر في شيء من ذلك ، بخلاف الراسخ ، فيجوز له ، ولا سيما عند
الاحتياج إلى الرد على المخالف ، ويدل على ذلك نقل الأئمة قديما وحديثا من التوراة
، وإلزامهم اليهود بالتصديق بمحمد صلى الله عليه وسلم بما يستخرجونه من كتابهم ،
ولولا اعتقادهم جواز النظر فيه ، لما فعلوه وتواردوا عليه " انتهى من " فتح الباري
" (13/ 525) .
ويقول الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله :
" الأمور بمقاصدها ، فمن يطالع كتب الملل بقصد الاستعانة على تأييد الحق ورد شبهات
المعترضين ونحوه وهو مستعد لذلك ، فهو عابد لله تعالى بهذه المطالعة ، وإذا احتيج
إلى ذلك كان فرضا لازما ، وما زال علماء الإسلام في القديم والحديث يطّلعون على كتب
الملل ومقالاتهم ، ويردون عليهم بما يستخرجونه منها من الدلائل الإلزامية ، وناهيك
بمثل ابن حزم وابن تيمية في الغابرين ، وبرحمة الله الهندي صاحب " إظهار الحق " في
المتأخرين . أرأيت لو لم يقرأ هذا الرجل كتبا اليهود والنصارى ، هل كان يقدر على ما
قدر عليه من إلزامهم وقهرهم في المناظرة ، ومن تأليف كتابه الذي أحبط أعمال دعاتهم
في الهند ، بل وغير الهند . أرأيت لو لم يفعل ذلك هو ولا غيره ، أما كان يأثم هو
وجميع أهل العلم ، وهم يرون عوام المسلمين تأخذهم الشبهات من كل ناحية ، ولا
يدفعونها عنهم .
نعم إنه ينبغي منع التلامذة والعوام من قراءة هذه الكتب لئلا تشوش عليهم عقائدهم ،
وأحكام دينهم ، فيكونوا كالغراب الذي حاول أن يتعلم مشية الطاووس ، فنسي مشيته ،
ولم يتعلم مشية الحجل " انتهى من " فتاوى محمد رشيد رضا " (1/ 136 - 137) .
والباحث المتخصص يعرض ما يقرؤه في كتب أهل الكتاب على القرآن الكريم والسنة النبوية
، وما يقرره العلماء في أبواب العقائد والأحكام وأصول الفقه ، فإن وجد ما يوافق
الهدى في الوحيين وما تفرع عنهما قبِلَه ولم يرده ، وإن كان معارضا للثابت في
الإسلام وأخبار القرآن والسنة رده ولم يتردد في ذلك .
وللتوسع يمكن مراجعة بعض الفتاوى في موقعنا عند الأرقام الآتية : (22029)
، (47516) .
كما يمكن الاستعانة بالكتب الآتية :
1. " الإسرائيليات في التفسير والحديث " ، محمد حسين الذهبي .
2. " الإسرائيليات وأثرها في كتب التفسير" ، رمزي نعناعة .
3. " قصص التوراة والإنجيل في ضوء القرآن والسنة "، عمر الأشقر .
4. " المدخل لدراسة التوراة والعهد القديم " ، محمد علي البار .
وغيرها كثير .
والله أعلم .