الحمد لله.
وهذه الصورة : وإن كانت عكس مسألة العينة في الصورة ، ولكنها مثلها في التحريم ، لاسيما إذا كانت عن تواطؤ مسبق بينك وبين البنك ؛ لكونها حيلة على الربا .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :
" لو كانت عكس مسألة العينة من غير تواطؤ: ففيه روايتان عن أحمد ، وهو أن يبيعه
حالا ثم يبتاع منه بأكثر مؤجلا ، وأما مع التواطؤ فرِباً محتال عليه " .
انتهى من "مجموع الفتاوى" (29/ 30) .
وقال ابن القيم رحمه الله :
" فَإِنْ قِيلَ : فَمَا تَقُولُونَ فِيمَنْ بَاعَ سِلْعَة بِنَقْدٍ ، ثُمَّ
اِشْتَرَاهَا بِأَكْثَر مِنْهُ نَسِيئَة ؟
قُلْنَا : قَدْ نَصَّ أَحْمَد - فِي رِوَايَة حَرْب - عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوز ،
إِلَّا أَنْ تَتَغَيَّر السِّلْعَة ؛ لِأَنَّ هَذَا يُتَّخَذ وَسِيلَة إِلَى
الرِّبَا ؛ فَهُوَ كَمَسْأَلَةِ الْعِينَة سَوَاء ، وَهِيَ عَكْسهَا صُورَةً ،
وَفِي الصُّورَتَيْنِ قَدْ تَرَتَّبَ فِي ذِمَّته دَرَاهِم مُؤَجَّلَة بِأَقَلّ
مِنْهَا نَقْدًا .
لَكِنْ فِي إِحْدَى الصُّورَتَيْنِ : الْبَائِع هُوَ الَّذِي اُسْتُغِلَّتْ ذِمَّته
، وَفِي الصُّورَة الْأُخْرَى : الْمُشْتَرِي هُوَ الَّذِي اُسْتُغِلَّتْ ذِمَّته ؛
فَلَا فَرْق بَيْنهمَا " انتهى من "تهذيب السنن" (9/249) .
وجاء في " دقائق أولي النهى لشرح المنتهى " (2/ 26) :
" (وَعَكْسُهَا) : أَيْ مَسْأَلَةِ الْعِينَةِ ، بِأَنْ يَبِيعَ شَيْئًا بِنَقْدٍ
حَاضِرٍ، ثُمَّ يَشْتَرِيَهُ مِنْ مُشْتَرِيهِ ، أَوْ وَكِيلِهِ ، بِنَقْدٍ
أَكْثَرَ مِنْ الْأَوَّلِ ، مِنْ جِنْسِهِ ، غَيْرِ مَقْبُوضٍ ، إنْ لَمْ تَزِدْ
قِيمَةُ الْمَبِيعِ بِنَحْوِ سِمَنٍ أَوْ تَعَلُّمِ صَنْعَةٍ = (مِثْلِهَا) [أي مثل
العينة ] فِي الْحُكْمِ ; لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْعِينَةَ فِي اتِّخَاذِهِ وَسِيلَةً
إلَى الرِّبَا ".
بل قد يعدها بعض الفقهاء من
صور العينة ، قال القاضي عياض:
"العِينة ، بكسر العين ، أصله : أن يشتري الرجل من الرجل سلعة بثمن إلى أجل ، ثم
يبيعها به نقدا ، يتذرع بذلك إلى : سلفِ قليل في كثير ، من جنس واحد ، أو يبيعها
منه نقدا ، ثم يشتريها منه إلى أجل ، وكذلك إذا كان هذا البيع بين ثلاثة في مجلس ".
انتهى من "مشارق الأنوار" (2/ 107) .
ثانيا :
ما ذكرت من وجود طرف ثالث وسيط - له علاقة بالبنك - تبيع عليه الأرض : لا يزيد
الأمر إلا سوءاً ؛ لكونه زيادة في الاحتيال ، ولا يخرج المسألة عن كونها عينة ، كما
في كلام القاضي عياض السابق .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في سياق الحيل المحرمة على الربا :
" أو يواطئا ثالثا على أن يبيع أحدهما عرضا ، ثم يبيعه المبتاع لمعامله المرابي ،
ثم يبيعه المرابي لصاحبه ، وهي الحيلة المثلثة. " انتهى من "مجموع الفتاوى" (29/
28) .
ثالثا :
ما ذكرت من أن إعادة الأرض إليك ، سيكون عبر بيعها من البنك عليك بنظام الإجارة مع
الوعد بالتمليك : فلا يقتضي الجواز ؛ لأنه إما أن تكون إجارة صورية لا تتوفر فيها
شروط الإجارة الشرعية ، وإنما هدفها التغطية على البيع اللاحق لها ، وهذا هو الظاهر
من المعاملة ؛ فلا تخرج المسألة عن حيلة الربا .
وإما أن تكون إجارة حقيقة
مقتضاها انتفاع البنك بعوض الإجارة ، والذي هو هنا 2.5% ، فهذه الصورة تشبه ما
يسميه الفقهاء "بيع الوفاء" أو "بيع الأمانة" ، وهو أن يبيع السلعة بشرط : أن
البائع متى رد الثمن ، يرد المشتري إليه المبيع ، بحيث ينتفع المشتري بتلك السلعة ،
أو بغلتها ، حتى يرد إليه البائع الثمن .
فتكون حقيقته : أنه قرض ، مقابل المنفعة الحاصلة في فترة بقائها عند المشتري ، وهو
بيع محرم لا يصح عند جمهور الفقهاء ، وقد صدر في تحريمه قرار من مجمع الفقه
الإسلامي ، وينظر نصه في جواب السؤال رقم : (2147)
، ورقم (163762)
.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية:
"بَيْعُ الْأَمَانَةِ ، الَّذِي مَضْمُونُهُ اتِّفَاقُهُمَا عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ
إذَا جَاءَهُ بِالثَّمَنِ أَعَادَ عَلَيْهِ مِلْكَهُ ذَلِكَ ، يَنْتَفِعُ بِهِ
الْمُشْتَرِي بِالْإِجَارَةِ وَالسَّكَنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ : هُوَ بَيْعٌ بَاطِلٌ
بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ ، إذَا كَانَ الشَّرْطُ مُقْتَرِنًا بِالْعَقْدِ ،
وَإِذَا تَنَازَعُوا فِي الشَّرْطِ الْمُقَدَّمِ عَلَى الْعَقْدِ: فَالصَّحِيحُ
أَنَّهُ بَاطِلٌ بِكُلِّ حَالٍ ، وَمَقْصُودُهُمَا إنَّمَا هُوَ الرِّبَا
بِإِعْطَاءِ دَرَاهِمَ إلَى أَجَلٍ ، وَمَنْفَعَةُ الدَّرَاهِمِ هِيَ الرِّبْحُ " .
انتهى من "مجموع الفتاوى" (30/ 36) .
والحاصل :
أن هذا العقد المذكور لا يحل لك المشاركة فيه ، لأنه حيلة على الربا من الوجوه
المذكورة .
والله أعلم .