فرَّقوا بين أختهم وزوجها وولدها بالإكراه تارة ، وبالسحر تارة ، حتى كرهت ولدها وهجرته إلى أن مات
عندي عمة كانت متزوجة ولها ولد ، أجبرها أعمامي وأبي على أن تطلب الطلاق من زوجها ؛ لأن أخته تطلقت من عمي لأنه لا ينجب ، وعندما رفضت أخذوها بالقوة ولم يتركوها تأخذ ابنها ، وعملوا لها عملا لكي لا تطلب ابنها ، وبالفعل كرهت ولدها ، ولا تحب حتى أن تسمع باسمه وتدعو عليه بالموت وبأـبشع الادعية ، عندما كبر الولد كان يحاول مرات عديدة مقابلتها ولكنها ترمي عليه الأحذية ، وتتهرب وتدعي عليه ، وعندما تزوج ورزق بأولاد كان يحضرهم لها ، ولكنها أيضاً نفس الشي تدعو عليه وعلى أبنائه ، توفي ولدها امس بعمر ٣٣ فجأة ، أخبرناها فقالت : لما كان حيا لم أشعر به ، والآن مات ولا أشعر به ورفضت رؤيته قبل دفنه ، أبي ندم على ما فعلوه بها ، حاول أن يكفر عن ذنبه ولكنه فشل ، هو اليوم من يقوم برعايتها فهي تعيش وحيدة ، طلب ممن قام بالعمل أن يبطله ولكن الرجل رفض وهو من أهلنا .
ماذا يجب على أبي لكي يكفر عن ذنبه ؟ وهل تؤاخذ عمتي على ما تقوم به وهل تأثم ؟
الجواب
الحمد لله.
ما فعله أعمامك ووالدك مع أختهم التي هي عمتك جرم كبير وإثم عظيم اشتمل على جملة من
الفواحش والكبائر التي حرمها الله سبحانه ، ولعن فاعلها ، وغضب عليه ، وتوعده
بالعذاب المهين في الدنيا والآخرة ، ومن هذه الفواحش :
أولا :
إفساد ما بينها وبين زوجها وإجبارها على فراقه ، وهذا فعل محرم ورد فيه الوعيد
الشديد ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لَيْسَ مِنَّا مَنْ خَبَّبَ [أي : أفسد]
امرَأَةً عَلَى زَوجِهَا ) رواه أبو داود (2175) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي
داود " .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله : - " فسعي الرجل في التفريق بين المرأة
وزوجها من الذنوب الشديدة ، وهو من فعل السحرة ، وهو من أعظم فعل الشياطين . "
انتهى من مجموع الفتاوى " ( 23 / 363 ).
وقال الشيخ صالح الفوزان- وفقه الله : - " وقد جاء الوعيد الشديد في حق من يفسد
الزوجة على زوجها ، ويخببها عليه ؛ فقد جاء في الحديث : ( ملعون من خبَّب امرأة على
زوجها ) ومعناه : أفسد أخلاقها عليه ، وتسبب في نشوزها عنه ، والواجب على أهل
الزوجة أن يحرصوا على صلاح ما بينها وبين زوجها ؛ لأن ذلك من مصلحتها ومصلحتهم
. " انتهى من " المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " ( 3 / 248 ، 249 ) .
ثانيا :
التفريق بين أختهم وولدها ، وهذا من أعظم الذنوب التي تدل على شقاء فاعلها وقسوة
قلبه ، وذلك لأن تعلق الأم بولدها ورحمتها به وحنانها عليه فطرة فطر الله عليها
جميع المخلوقات من بشر وحيوان ووحش وطير ، وأشد شيء على الأم أن يحال بينها وبين
ولدها الذي هو فلذة كبدها وثمرة فؤادها ، وهذا لا يخص البشر وحدهم بل يشاركهم في
ذلك البهائم العجماوات، ففي مسند أحمد (3835) ، و" الأدب المفرد " للبخاري (382)
عَنْ عَبْدِ اللهِ ، قَالَ: " نَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مَنْزِلًا ، فَانْطَلَقَ إِنْسَانٌ إِلَى غَيْضَةٍ ، فَأَخْرَجَ مِنْهَا بَيْضَ
حُمَّرَةٍ [طائر كالعصفور] ، فَجَاءَتِ اَلْحُمَّرَةُ تَرِفُّ عَلَى رَأْسِ رَسُولِ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرُءُوسِ أَصْحَابِهِ ، فَقَالَ: (
أَيُّكُمْ فَجَعَ هَذِهِ؟ ) فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ : أَنَا أَصَبْتُ لَهَا
بَيْضًا، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ارْدُدْهُ ) وفي
رواية أخرى في المسند (3836) قَالَ: ( رُدَّهُ ، رَحْمَةً لَهَا ) صححه الألباني في
" الأدب المفرد " للبخاري مخرجا برقم (382).
وقد توعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من يفرق بين أم وولدها أن يفرق الله سبحانه
بينه وبين أحبته يوم القيامة ، والجزاء من جنس العمل ، فقد أخرج الترمذي في سننه
(1283) عن أبي أيوب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( من فرق بين
الوالدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة) حسنه الألباني
في " مشكاة المصابيح"(3361) .
ثالثا:
لجوؤهم إلى السحر للتفريق بين أختهم وولدها ، وهو ما يسمى بسحر الصرف ، والسحر يفرق
بين الأحبة ، قال الله تعالى في تأثير السحر : (فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين
المرء وزوجه) ، والسحر من كبائر الذنوب والموبقات حتى جرت عادة علماء الإسلام أن
يدرجوه في كتب العقيدة ومسائل الإيمان ؛ لأنه كثيرا ما يستلزم الكفر بالله سبحانه
والشرك به ، قال الشيخ السعدي رحمه الله تعالى : " وجه إدخال السحر في أبواب
التوحيد أن كثيرا من أقسامه لا يتأتى إلا بالشرك والتوسل بالأرواح الشيطانية ، إلى
مقاصد الساحر ، فلا يتم للعبد توحيد حتى يدع السحر كله قليله وكثيره ، ولهذا قرنه
الشارع بالشرك ، فالسحر يدخل في الشرك من جهتين : من جهة ما فيه من استخدام
الشياطين ومن التعلق بهم وربما تقرب إليهم بما يحبون ليقوموا بخدمته ومطلوبه ، ومن
جهة ما فيه من دعوى علم الغيب ودعوى مشاركة الله في علمه وسلوك الطرق المفضية إلى
ذلك ، وذلك من شعب الشرك والكفر، وفيه أيضا من التصرفات المحرمة والأفعال القبيحة
كالقتل والتفريق بين المتحابين والصرف والعطف والسعي في تغيير العقول ، وهذا من
أفظع المحرمات ، وذلك من الشرك ووسائله ولذلك تعين قتل الساحر لشدة مضرته وإفساده "
انتهى من " القول السديد شرح كتاب التوحيد " (1 / 109).
فالواجب على والدك وأعمامك أن يسارعوا بالتوبة إلى الله سبحانه من هذه الذنوب
والآثام وأن يصلحوا ما أفسدوه في علاقتهم بأختهم وزوجها وابنها ، وأن يطلبوا الطرق
الشرعية لعلاج أختهم من هذا السحر وذلك يكون برقيتها رقية شرعية وإفساد هذه الأشياء
التي يظن أن السحرة قد عقدوا عليها للتأثير على المسحور ، قال الشيخ عبد العزيز بن
باز – رحمه الله - : " ومن العلاج أيضاً : إتلاف الشيء الذي يظن أنه عمل فيه السحر
من صوف أو خيوط معقدة أو غير ذلك مما يظن أنه سبب السحر ، مع العناية من المسحور
بالتعوذات الشرعية ومنها التعوذ " بكلمات الله التامات من شر ما خلق " ثلاث مرات
صباحا ومساء ، وقراءة السور الثلاث– وهي " الإخلاص " و " الفلق " و " الناس " - بعد
الصبح والمغرب ثلاث مرات ، وقراءة آية الكرسي بعد الصلاة ، وعند النوم . ويستحب أن
يقول صباحاً ومساء : " بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء
وهو السميع العليم " ثلاث مرات ؛ لصحة ذلك كله عن النبي صلى الله عليه وسلم ، مع
حسن الظن بالله والإيمان بأنه مسبب الأسباب وأنه هو الذي يشفي المريض إذا شاء"
انتهى من " فتاوى الشيخ ابن باز " ( 7 / 80 ، 81 ) .
وأما ما كانت تفعله عمتك من نفورها من ولدها وهجرها له فإن كان هذا قد تم تحت تأثير
السحر بدون اختيار وإرادة منها ، فإنها لا تؤاخذ على شيء من ذلك إن شاء الله ؛
لأنها لم تكن في وعيها وقت هذه التصرفات ، وإنما كانت مغلوبة عليها بتأثير السحر .
قال الشيخ الصادق الغرياني المفتي العام لدولة ليبيا : " إذا بلغت درجة السحر أن
جعلت الإنسان مسلوب الإرادة ، فإن الله سبحانه لا يحاسبه على ما بدر منه حينئذ من
أقوال وأفعال ، بخلاف المسحور الذي لم تصل حالته إلى درجة سلب الإرادة ، وبخلاف
العاقل المختار الذي لم يفقد الإدراك ، فهذان محاسبان على أقوالهما وأفعالهما"
انتهى من " موقع دار الإفتاء الليبية ، وتراجع الفتوى رقم : (210635).
نسأل الله تعالى أن يشفي عمتك وأن يتوب على والدك وأعمامك .
والله أعلم .