الحمد لله.
قال الشهاب الحموي رحمه الله :
" لا يجوز اسْتِرْقَاقُ الْحُرِّ بِرِضَاهُ ، لِمَا فِيهِ مِنْ إبْطَالِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى " انتهى من " غمز عيون البصائر " (2/ 406) .
وقال الكاساني رحمه الله في " بدائع الصنائع " (4/ 124) :
" .. فِي الْحُرِّيَّةِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى ، فَلَا يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ بِإِسْقَاطِ الْعَبْدِ " انتهى .
وانظر : " المحيط البرهاني " (9/ 215) ، " درر الحكام " (2/ 190) .
ثالثا :
" يَدْخُل الرَّقِيقُ فِي مِلْكِ الإْنْسَانِ بِوَاحِدٍ مِنَ الطُّرُقِ الآْتِيَةِ :
أَوَّلاً : اسْتِرْقَاقُ الأْسْرَى وَالسَّبْيِ مِنَ الأْعْدَاءِ الْكُفَّارِ .
وَلاَ يَجُوزُ ابْتِدَاءُ اسْتِرْقَاقِ الْمُسْلِمِ ؛ لأِنَّ الإْسْلاَمَ يُنَافِي ابْتِدَاءَ الاِسْتِرْقَاقِ ؛ لأِنَّهُ يَقَعُ جَزَاءً لاِسْتِنْكَافِ الْكَافِرِ عَنْ عُبُودِيَّةِ اللَّهِ تَعَالَى .
ثَانِيًا : وَلَدُ الأْمَةِ مِنْ غَيْرِ سَيِّدِهَا ، يَتْبَعُ أُمَّهُ فِي الرِّقِّ ، سَوَاءٌ أَكَانَ أَبُوهُ حُرًّا أَمْ عَبْدًا ، وَهُوَ رَقِيقٌ لِمَالِكِ أُمِّهِ ، لأِنَّ وَلَدَهَا مِنْ نَمَائِهَا ، وَنَمَاؤُهَا لِمَالِكِهَا ، وَلِلإْجْمَاعِ .
ثَالِثًا : الشِّرَاءُ مِمَّنْ يَمْلِكُهُ مِلْكًا صَحِيحًا مُعْتَرَفًا بِهِ شَرْعًا ، وَكَذَا الْهِبَةُ وَالْوَصِيَّةُ وَالصَّدَقَةُ وَالْمِيرَاثُ وَغَيْرُهَا مِنْ صُوَرِ انْتِقَال الأْمْوَال مِنْ مَالِكٍ إِلَى آخَرَ " .
"الموسوعة الفقهية" (23/ 12-13) .
فعلى ما تقدم :
لا يصح استرقاق المسلم ، إلا في حالين :
الأولى : أن يكون الرق قد جرى عليه في كفره ، ثم أسلم بعد ذلك ؛ فإنه لا يعتق على مالكه بمجرد إسلامه ، ويصح بيعه وشراؤه .
الثاني : أن تكون أمه رقيقا ، فيرث الرق عنها .
قال الشنقيطي رحمه الله :
" فَإِنْ قِيلَ: إِذَا كَانَ الرَّقِيقُ مُسْلِمًا ، فَمَا وَجْهُ مِلْكِهِ بِالرِّقِّ ؟ مَعَ أَنَّ سَبَبَ الرِّقِّ الَّذِي هُوَ الْكُفْرُ وَمُحَارَبَةُ اللَّهِ وَرُسُلِهِ ، قَدْ زَالَ ؟
فَالْجَوَابُ : أَنَّ الْقَاعِدَةَ الْمَعْرُوفَةَ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ وَكَافَّةِ الْعُقَلَاءِ : أَنَّ الْحَقَّ السَّابِقَ لَا يَرْفَعُهُ الْحَقُّ اللَّاحِقُ ، وَالْأَحَقِّيَّةُ بِالْأَسْبَقِيَّةِ ظَاهِرَةٌ لَا خَفَاءَ بِهَا ، فَالْمُسْلِمُونَ عِنْدَمَا غَنِمُوا الْكُفَّارَ بِالسَّبْيِ ثَبَتَ لَهُمْ حَقُّ الْمِلْكِيَّةِ بِتَشْرِيعِ خَالِقِ الْجَمِيعِ ، وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ ، فَإِذَا اسْتَقَرَّ هَذَا الْحَقُّ وَثَبَتَ ، ثُمَّ أَسْلَمَ الرَّقِيقُ بَعْدَ ذَلِكَ ، كَانَ حَقُّهُ فِي الْخُرُوجِ مِنَ الرِّقِّ بِالْإِسْلَامِ مَسْبُوقًا بِحَقِّ الْمُجَاهِدِ الَّذِي سَبَقَتْ لَهُ الْمِلْكِيَّةُ قَبْلَ الْإِسْلَامِ ، وَلَيْسَ مِنَ الْعَدْلِ وَالْإِنْصَافِ رَفْعُ الْحَقِّ السَّابِقِ ، بِالْحَقِّ الْمُتَأَخِّرِ عَنْهُ ، كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ عِنْدَ الْعُقَلَاءِ ، نَعَمْ ، يَحْسُنُ بِالْمَالِكِ ، وَيَجْمُلُ بِهِ أَنْ يُعْتِقَهُ إِذَا أَسْلَمَ ، وَقَدْ أَمَرَ الشَّارِعُ بِذَلِكَ وَرَغَّبَ فِيهِ ، وَفَتَحَ لَهُ الْأَبْوَابَ الْكَثِيرَةَ " انتهى من " أضواء البيان " (3/ 31) .
فأما إذا لم تكن المرأة قد استرقت في حرب الكفار ، أو كانت قبل ذلك رقيقا ، ثبت عليها ذلك ثبوتا شرعيا صحيحا ، فلا يحق استرقاقها ، ولا عقد ملك يمين عليها ، ولو رضيت هي بذلك ، أو رضي به أولياؤها .
وانظر إجابة السؤال رقم : (12562) ، والسؤال رقم : (26067) .
والله أعلم .