الحمد لله.
أولا :
نود أن ننصح أخانا السائل وإخواننا المسلمين بأن يصرفوا عنايتهم إلى ما ينفع العبد
، وتظهر لعلمه والسؤال عنه : مصلحة في دينه أو دنياه ، فحاجة المسلم إلى معرفة
العقيدة الإسلامية ، والآداب الشرعية ، وأحكام الحلال والحرام ، وكذا مهام الحياة
الضرورية ، أولى بالعناية ، فينشغل المسلم بما يهمه من أمر دينه وأمر دنياه ، ولا
حاجة به إلى الانشغال بما لا ينفع العلم به ولا يضر الجهل به ، وخاصة ما لا يمكن في
العادة معرفته على وجه التحقيق بنصوص الكتاب والسنة ، وإنما العلم به مبني على مجرد
اجتهادات أو نقولات عن أهل الكتاب ، ومثل هذا وخاصة في مسائل الغيب لا يتحقق به
العلم الصحيح .
ومن أمثلة ذلك ما وقع من الاختلاف في الوقت الذي اختلف فيه الناس ، في قول الله
تعالى : ( كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ
مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ
بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ
أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى
اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ
وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) سورة البقرة/213 .
قال الإمام الطبري رحمه الله :
" وأولى التأويلات في هذه الآية بالصواب أن يقال إن الله عز وجل أخبر عباده أن
الناس كانوا أمة واحدة على دين واحد وملة واحدة ... فاختلفوا في دينهم ...
وقد يجوز أن يكون ذلك الوقت الذي كانوا فيه أمة واحدة من عهد آدم إلى عهد نوح
عليهما السلام ، كما روي عكرمة ، عن ابن عباس ، وكما قاله قتادة .
وجائزٌ أن يكون كان ذلك حين عَرض على آدم خلقه ، وجائزٌ أن يكون كان ذلك في وقت غير
ذلك .
ولا دلالة من كتاب الله ، ولا خبر يثبت به الحجة على أيِّ هذه الأوقات كان ذلك .
فغيرُ جائز أن نقول فيه إلا ما قال الله عز وجل : من أن الناس كانوا أمة واحدة،
فبعث الله فيهم - لما اختلفوا - الأنبياءَ والرسل .
ولا يضرُّنا الجهل بوقت ذلك ، كما لا ينفعُنَا العلمُ به ، إذ لم يكن العلم به لله
طاعةً " .
انتهى من " تفسير الطبري " (4/279) .
ثانيا :
ذكر بعض أهل العلم أن حواء ولدت لآدم عليهما السلام عشرين ومائة بطن ، في كل بطن
توأم .
وقال بعضهم : جميع ما ولدته له أربعون ، من ذكر وأنثى ، في عشرين بطنا .
قال الطبري رحمه الله في " تاريخه " (1/145) :
" وَذُكِرَ أَنَّ حواء ولدت لآدم عليه السلام عِشْرِينَ وَمِائَةَ بَطْنٍ ،
أَوَّلُهُمْ قَابِيلُ وتوأمته قلِيمَا، وَآخِرُهُمْ عَبْدُ الْمُغِيثِ وتوأمته
أَمَةُ الْمُغِيثِ .
وَأَمَّا ابْنُ إِسْحَاقَ فَذُكِرَ عَنْهُ أَنَّ جَمِيعَ مَا وَلَدَتْهُ حَوَّاءُ
لآدَمَ لِصُلْبِهِ : أَرْبَعُونَ ، مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى فِي عِشْرِينَ بَطْنًا "
انتهى .
وما ذكره عن ابن إسحاق هو المشهور .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" وَقَالَ الثَّعْلَبِيُّ : ذَكَرَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ أَنَّ حَوَّاءَ
وَلَدَتْ لِآدَمَ أَرْبَعِينَ نَفْسًا فِي عِشْرِينَ بَطْنًا " انتهى من " فتح
الباري " (12/ 193) .
وانظر : " تفسير القرطبي " (6/ 135) ، " شرح النووي على مسلم " (10/59) ، " طرح
التثريب " (7/65) ، " الكامل في التاريخ " (1/38) ، " تفسير الخازن " (2/ 32) .
وقد ذكروا أن حواء كانت تحمل
في كل بطن ذكرا وأنثى ، وقد شرع الله لآدم عليه السلام أن يزوج غلام هذا البطن
جارية البطن الآخر .
قال ابن كثير رحمه الله :
" ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ ، أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ
شَرَعَ لِآدَمَ ، عَلَيْهِ السَّلَامُ ، أَنْ يُزَوِّجَ بَنَاتِهِ مِنْ بَنِيهِ
لِضَرُورَةِ الْحَالِ ، وَلَكِنْ قَالُوا : كَانَ يُولَد لَهُ فِي كُلِّ بَطْنِ
ذَكَرٌ وَأُنْثَى ، فَكَانَ يُزَوِّجُ أُنْثَى هَذَا الْبَطْنِ لِذِكْرِ الْبَطْنِ
الْآخَرِ " .
انتهى من "تفسير ابن كثير" (3/ 82) ، وينظر : " تفسير الطبري " (10/ 206) .
هذا جملة ما ذكره أهل العلم
فيما اطلعنا عليه في هذه المسألة .
أما القول بأن حواء عليها
السلام ولدت مائة مولود في وقت واحد : فهذا مما لا يعقل ، ولا نعلم أحدا ذكره ،
ولعل السائل يقصد أنها ولدت هذا العدد من الأولاد لآدم من صلبه ، لا أنها ولدتهم في
بطن واحد .
وينظر للفائدة إجابة السؤال
رقم : (145856) .
والله أعلم .