ما حكم استعمال الجيلاتين المستخرج من الخنزير أو من الحيوانات غير المذبوحة ذبحا شرعيا ؟
الحمد لله.
أولاً :
الجيلاتين الحيواني " هو مادة لينة لزجة ، غير قابلة للذوبان في الماء ، تُستخرج من عظام الحيوان وأنسجته بإغلائه الطويل في الماء " .
انتهى من " المعجم الوسيط" (1/150) .
وجاء في " الموسوعة العربية العالمية " : " الجيلاتين ( Gelatin) مادة بروتينية تُستخلص من جلودِ الحيوانات وعظامها " انتهى .
ويستخلص الجيلاتين الخام من : جلود أو عظام الإبل والبقر والغنم والخنزير .
والجيلاتين مادة تدخل في كثير من الصناعات الغذائية كالمعجنات وأغذية الأطفال ، وفي صناعة اللبن الرائب والأجبان والمثلجات والفطائر والمشروبات والعصائر وبعض الأطعمة المهيأة على شكل مساحيق كمسحوق ( الجلي ) ومسحوق ( البودنج) ، وبعض أنواع اللبان والعلك وحبات الحلوى الهلامية ، كما تدخل في الصناعة الدوائية كصناعة المحافظ الدوائية ( كبسولات capsules ) ، ويستخدم في انتاج معاجين الاسنان والمراهم والكريمات ولانتاج التحاميل ( اللبوسات ) الشرجية والمهبلية.
ثانياً :
لا حرج في استخلاص الجيلاتين من جلود وأعصاب وعظام الحيوانات المباحة والمذكاة ذكاةً شرعية ، أو من نبات غير ضار ولا سام .
وهذا النوع من الجيلاتين مباح ، ولا حرج في استعماله وتناوله في الغذاء والدواء .
ينظر: " موسوعة الفقه الإسلامي" للتويجري (4/ 329) .
ولا يجوز استخراج الجيلاتين من لحوم وعظام وجلود الخنزير أو الحيوانات المباحة التي لم تذكَ ذكاة شرعية .
جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي : " يجوز استعمال الجيلاتين المستخرج من المواد المباحة ، ومن الحيوانات المباحة ، المذكَّاة تذكية شرعية ، ولا يجوز استخراجه من محرم : كجلد الخنزير وعظامه وغيره من الحيوانات والمواد المحرمة ".
انتهى من " قرارات المجمع الفقهي الإسلامي " للرابطة (ص: 85) .
ثالثاً :
مع القول بتحريم استخراج الجيلاتين من هذه المواد المحرمة إلا أن حكم تناوله بعد دخوله في صناعة الغذاء والدواء يتوقف على تحقق الإستحالة في الجيلاتين بعد دخول الصنعة عليه .
فإذا كان الجيلاتين بعد صنعه ومعالجته قد تحوَّل لمادة أخرى تختلف عن العين النجسة التي تم استخراجه منها في الصفات والخصائص ، فلا حرج في أكله وتناوله .
وأما إذا لم يتحول تحولاً كاملاً ، بل بقي محافظاً على شيءٍ من صفات وخصائص العين النجسة التي أُخذ منها ، فلا يجوز تناوله أبداً ، لأنه جزء من الخنزير أو العين النجسة .
وبالرجوع إلى كلام المختصين في هذا الشأن تبين أنهم مختلفون في هذا الأمر ، فمنهم من يقول إن الاستحالة التي في الجيلاتين كاملة ، ومنهم من ينفي ذلك .
فذكر بعض الباحثين أن الجيلاتين المستخلص من عظام وجلود الأبقار والخنازير قد تحول تحولاً كاملاً عن المادة التي استخلص منها ، فصارت له خصائص كيميائية غير خصائص الأصل الذي استخلص منه ، وبهذا ينطبق عليه كلام أهل العلم في الاستحالة .
وقد أخذ بهذا الرأي " المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية " فجاء في قرارها : " الاستحالة التي تعني انقلاب العين إلى عين أخرى تغايرها في صفاتها ، تُحوِّل المواد النجسة أو المتنجسة إلى مواد طاهرة ، وتحوِّل المواد المحرمة إلى مواد مباحة شرعاً .
وبناءً على ذلك : الجيلاتين المتكون من استحالة عظم الحيوان النجس وجلده وأوتاره : طاهر وأكله حلال " انتهى ، ينظر :
https://al-maktaba.org/book/33954/5250
بينما خالف آخرون وقالوا : إن المعالجات والتفاعلات الكيميائية التي تمر بها جلود الخنازير وعظامها لاستخلاص الجيلاتين لا تنتج عنها استحالة كاملة ، وإنما تستحيل استحالة جزئية ، فالجيلاتين لا يزال محافظاً على خصائص العين النجسة التي أخذ منها .
قال الدكتور وفيق الشرقاوي ( رئيس مجلس الإدارة بالشركة العربية للمنتجات الجلاتينية بمصر) : " إن جلود الخنازير وعظامها لا تستحيل استحالة كاملة وإنما تستحيل استحالة جزئية ، ويمكن بطريق التحليل الطيفي التعرف على أصل الجيلاتين المستخلص من جلود الخنازير وعظامها بعد العمليات الكيميائية التي يتم بها استخلاصه وذلك لوجود بعض الخصائص في هذا الجيلاتين يمكن التعرف على أصله هذا ، فلا يمكن القول بأن أجزاء الخنزير التي تحولت إلى جلاتين قد استحالت استحالة كاملة " انتهى من "مجلة البحوث الفقهية المعاصرة " (31/28) .
والذي يظهر : هو القول بمنع استعمال الجيلاتين في الطعام والدواء وغيره إذا كان من عين نجسة لأمور :
1= أن عدداً من المختصين ذكروا أن الاستحالة ليست كاملة ، وأن ما يتم على جلد وعظم الخنزير هو صناعة وليس استحالة ، فيبقى الخنزير على ما هو عليه من الحرمة والنجاسة ، وكل ما صنع منه يأخذ حكمه .
2= أن وجود الشك في هذا الأمر ( هل هي استحالة كاملة أم لا ) يدعونا للتمسك بالأصل ، وهو نجاسة هذه العين حتى يثبت ما يؤكد أنها استحالة حقيقية .
3= أن مذهب كثير من العلماء أن العين النجسة لا يتغير حكمها بالاستحالة ، ولذلك فمقتضى مذهبهم أن استعمال هذا النوع من الجيلاتين محرم ؛ لأن أصله نجس ، ومهما تغيرت العين فالحكم لا يتغير .
وهذا القول وإن لم يكن هو الراجح ، لكنه يدعونا للتوقف في كثير من الأمور التي لا نجزم فيها بتحقق الاستحالة .
4= أن القول بتحريم هذا النوع من الجيلاتين هو ما اعتمده كثير من العلماء المعاصرين .
وقد جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي بجدة :
" لا يحل للمسلم استعمال الخمائر والجيلاتين المأخوذة من الخنازير في الأغذية .
وفي الخمائر والجلاتين المتخذة من النباتات والحيوانات المذكاة شرعاً غُنية عن ذلك " انتهى من " قرارت مجمع الفقه الإسلامي " (ص 90 ) .
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة : هل الجيلاتين حرام ؟
فكان الجواب : " الجيلاتين إذا كان محضَّراً من شيء محرم كالخنزير أو بعض أجزائه كجلده وعظامه ونحوهما فهو حرام ، قال تعالى: ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ) ، وقد أجمع العلماء على أن شحم الخنزير داخل في التحريم ، وإن لم يكن داخلا في تكوين الجيلاتين ومادته شيء من المحرمات فلا بأس به " .
انتهى من " فتاوى اللجنة الدائمة " (22/260) .
والحاصل :
أنه لا يجوز تناول الأغذية والأشربة والأدوية المشتملة على الجلاتين المستخرج من جلود الخنزير والأعيان النجسة ، خاصة مع وجود البديل في الأنعام التي أحلها الله ، فمن الممكن أن تتم صناعة الجيلاتين من هذه الأنعام المذكاة ، وهي تؤدي نفس الغرض في صناعة الدواء أو الغذاء .
وللاستزادة ينظر:
" النوازل في الأشربة " زين العابدين الإدريسي ص 287 .
" المستخلص من النجس وحكمه " إعداد : نصري راشد صـ 113 .
" أحكام الأدوية في الشريعة الإسلامية " لحسن الفكي ص331 .
" مجلة البحوث الفقهية المعاصرة " ( العدد 31 ، ص 6-38) .
" النوازل في الأطعمة " لبدرية الحارثي (1/459) .
والله أعلم .